لم تنطلق الثورة السورية قبل حوالي عامين فقط بفعل الربيع العربي وحركة التغيير في المنطقة، بقدر ما قامت استنادا إلى مقومات موضوعية خلفها النظام الأسدي الأب والابن. هذا النظام الذي كسر الأجنحة السورية وحولها إلى دولة خاملة على المستوى السياسي والعربي، لتخرج سوريا من دورها الحضاري والعربي. لقد غابت الرؤية النقدية السياسية وعملية البناء السياسي السليم عن هذا البلد الحيوي والمؤثر في الخارطة السياسية الشرق أوسطية، فبعد أن كانت تتعاقب الحكومات عليها شهرا بعد شهر طوال فترة الخمسينيات والستينيات، تكلست مع وجود البعث في الحركة السياسية في سورية ودخلت البلاد في سبات سياسي لم تشهده منذ الاستقلال. لقد ولدت الثورة السورية نتيجة طبيعية لحركة التاريخ، إذ إن حكم أربعين عاما من القمع والديكتاتورية لا يمكن أن يدوم في بلد مثل سوريا اعتاد على التغيير تاريخيا. لكن السؤال الأبرز في (الحالة السورية): إلى أين تتجه البلاد في ظل نظام ينتظر رصاصة الرحمة ومعارضة «خاوية» ممثلة بالائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة؟. حتى الآن، لا يبدو أن المعارضة السورية تعمل على رسم خارطة واضحة المعالم للمستقبل، كما أنها لم تثبت حتى الآن أنها الصوت الأكثر تأثيرا على الحراك الثوري في الداخل. فإذا كانت مهمة تشكيل حكومة تعمل على ملء الفراغ السياسي في مرحلة ما بعد الأسد باتت أشبه بمهمة الأخضر الإبراهيمي «المستحيلة»، إذ فما هو الداعي لمثل هذا الائتلاف الذي يمثل غالبية أطياف المعارضة، في الوقت الذي ينفرد النظام بالشعب السوري؟ من ستخاطب دول العالم في المرحلة المقبلة من تاريخ سورية إذا كانت هذه المعارضة عاجزة عن تسمية 12 وزيرا كما هو المطلوب في هذه المرحلة؟. أمام هذه المعارضة خيار واحد لا غير، أن تحظى بثقة الشعب السوري والمجتمع الدولي معا، وهذه الثقة لا تتأتى من المنابر الإعلامية، وإنما من الممارسة على أرض الواقع، إذ لا يليق بثورة مثل ثورة الشعب السوري التي قدمت حتى أكثر الآن نصف البلاد دمارا، وحوالي 60 ألف قتيل، أن تعجز عن تشكيل حكومة، على الأقل تدير المناطق المحررة، دون ذلك فلا مبرر لوجود معارضة تعيش في النصف الآخر من الكرة الأرضية، وبالطبع النصف البعيد عن الثورة وتضحيات السوريين.