في الفترة ما بين 17-19 ديسمبر المنصرم تم اغتيال 9 من العاملين في حملات التطعيم ضد شلل الأطفال في مناطق مختلفة من دولة الباكستان الشقيقة. أغلب القتلى كن من النساء العاملات في برنامج التلقيح الذي تشكل فيه النساء الغالبية العظمى لأنه يتطلب زيارة الأمهات في منازلهن لتطعيم الأطفال. وبعض القتلى كانوا من المتطوعين والمتطوعات الذين يعملون بدون أجر. هذه الجرائم، التي هزت العالم، أسفرت عن تعليق حملة التطعيم التي كانت تهدف إلى تطعيم 35 مليون طفل باكستاني لحمايتهم بإذن الله من الإعاقة الدائمة أو الوفاة بسبب هذا المرض. لم يتم حتى الآن القبض على المجرمين ولكن أصابع الاتهام تتجه إلى مجموعات يعتقد أنها تتبع لطالبان الباكستانية التي طالما أعلنت معارضتها لحملات التطعيم. هناك سببان واهيان تستند إليهما هذه المجموعات المناهضة للتطعيم. السبب الأول الإشاعات الكاذبة بأن لقاح الشلل هو مؤامرة غربية ضد المسلمين وأنه يسبب العقم أو مرض الإيدز. هذه الإشاعة المفتراة سببها سياسي في الدرجة الأولى وليس لها أي أساس من الصحة، فلقاح الشلل من أكثر اللقاحات أمانا وقد أعطيت منه بلايين الجرعات لكافة أطفال العالم بما في ذلك كل الدول الإسلامية دون أن يسبب لأحد العقم أو الإيدز، وكل هذه الدول مستمرة في إعطائه إلى أن يتم القضاء على المرض تماما. وسابقا ظهرت إشاعة مماثلة في المناطق الشمالية من نيجيريا مما نتج عنه تراجع جهود التطعيم وانتشار فيروس الشلل في تلك المناطق ومنها إلى عدة دول أخرى إلى أن تم تصحيح مفاهيم المواطنين في هذه المناطق وتنشيط جهود التطعيم مرة أخرى. المؤسف أن بعض خطباء المساجد في الباكستان انطلت عليهم الإشاعات وشاركوا في تخويف الناس من اللقاح وصدهم عنه، مما دعا هيئة العلماء الباكستانيين إلى إصدار فتوى تفند بطلان هذه الإشاعات وتدعو الناس إلى الحرص على تطعيم أطفالهم. السبب الثاني الحادثة المتعلقة بطبيب باكستاني اسمه شكيل الفريدي تعاون مع هيئة الاستخبارات الأمريكية (CIA) في اكتشاف مقر أسامة بن لادن في مدينة أبوتاباد في باكستان. المؤسف أن هذا الطبيب، الذي حكم عليه بالسجن، استغل ستار تقديم لقاح الكبد الوبائي للمواطنين لتغطية عمله الاستخباراتي، مما أساء إلى سمعة برامج التطعيم التي يحرص القائمون عليها على البعد بصفة تامة عن الأمور السياسية والنزاعات مهما كان سببها. مثل هذه الحادثة، رغم فداحتها، لا ينبغي استغلالها لتدمير برنامج عالمي ضخم لاستئصال مرض يفتك بجميع الأطفال ولا يفرق بين الانتماءات السياسية أو الدينية المختلفة. الجيد هو موقف الحكومة الباكستانية وهيئة العلماء الباكستانيين وأغلبية الشعب الباكستاني الشقيق الرافض لكل المزاعم والإشاعات المضللة. باكستان هي إحدى الثلاث دول المتبقية التي يستوطنها شلل الأطفال (إضافة إلى أفغانستان ونيجيريا)، ومع ذلك لم يحدث فيها إلا 57 حالة شلل في عام 2012م بسبب جهود التطعيم الكبيرة بعد أن كانت الحالات هناك تعد بالآلاف قبل هذه الجهود، وهذا النجاح يبشر بإمكانية استئصال المرض من هذه الدولة إن شاء الله مثل ما تحقق لجارتها الهند قبل عامين. اغتيال نساء بريئات يعملن على حماية الأطفال من مرض خطير هو عمل جبان وخسيس إلى أبعد الحدود ويجب أن يلاقي العقاب العادل. وهذه الجرائم لن تتمكن من وقف مسيرة العالم للقضاء على الشلل بعد أن تحقق لهذه المسيرة كل النجاح السابق وأصبحت بإذن الله قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى هدفها باستئصال المرض في القريب العاجل. العالم لا يستطيع أن يضحي بهذا الإنجاز الضخم. ووجود حالة واحدة من الشلل في أي دولة في العالم تهدد بعودة المرض مرة أخرى لأي مكان فيه. ومن واجب جميع الدول والمنظمات الإسلامية بصفة خاصة، أن تقف مع دولة الباكستان الشقيقة بكل حزم وقوة لوقف هذه الجرائم البشعة التي تهدف إلى تخويف الناس ولتفنيد المزاعم المضللة التي تطلقها جماعات إرهابية محاولة إكسابها صبغة دينية مع أن الدين منها براء، وأن تساعدها على نشر الوعي والاقتناع بين الناس لكي لا يضيعوا الفرصة للاستفادة من مكتسبات العلم الحديث في حماية أطفالهم من الشلل والإعاقة.