عادة ما ينظر الشباب لما هو (شعبي) على أنه المرادف للأقل ثقافة وتحضرا، وهذه النظرة تنطلق من أن الثقافة لديها تعني ما هو جديد أو معاصر وربما كل ما هو منتج في السوق، على اعتبار أن الجانب المثقف في الشيء يتجلى في مدى حداثة ولادته أو مدى اتساع حجم تداوله لدى فئة الشباب. بينما يتضمن الشعبي الذي هو بالضرورة أقدم كثير من العناصر القديمة أو الذوقية الذي قد لا تلبي تطلعات إنسان اليوم ولا تتفق مع مزاج الشباب. لذا نحن بحاجة للتعرف وتقييم ما هو ثقافي، وما هو متداول من أفكار، فالمتداول قد لا يكون جزءا أصيلا من الثقافة، لكنه قد يكون جزءا من أفكار تم إبرازها ونشرها لأسباب خارج سياق الثقافة، بل هي تتبع مجالات أخرى تحاول التدخل والتأثير على الثقافة العامة، والمتداول قد يكون حالة من التعبير عن غياب الثقافة بحد ذاتها. والأهم أن يكون ما هو شعبي قد فقد كل قيمة وقدرة على الحياة والتداول العام. كل ذلك لا ينفي أن الثقافة الشعبية هي الأكثر تعبيرا عن الحياة الفكرية للمجتمع؛ لأنها تتداخل و تتحكم في الاجتماعي وتحكم قبضتها عليه، وتحظى باحترام من الفرد عندما يكون جزءا من المجتمع. لكن في مقابل ذلك، نجد أن الثقافة المتداولة أو الآنية تجد مجالها الرحب في سلوك الفرد بمعزل عن الاجتماعي، وتحظى بالاهتمام كلما كانت الفئة الاجتماعية المتداولة لها حديثة السن. هذا التفريق لا يعني أن الثقافة المتداولة طارئة أو لمقاومتها لا نحتاج إلا لاستعادة الشعبي ونشره، بل بالعكس، فإن الثقافة المتداولة تستمر وتزيح الثقافة الشعبية عندما تفقد هذه الأخيرة قدرتها على الإقناع وتحقيق الحاجات. كما أنها عرضة للتعرية بفعل تحول الثقافة المتداولة من السطح إلى العمق، بحيث تكون جزءا من السلوك الاجتماعي وممثلة لمتطلبات الناس وحاجاتهم. الثقافة الشعبية والثقافة المتداولة/ الثقافة القديمة والثقافة الجديدة هما حالات الصراع بين الحاجات والمتطلبات والمزاج العام للمجتمع وأفراده.