من العبارات التي نتداولها بين الحين والآخر، أن فلاناً يرسم أحلامه في الهواء! كتعبير عن اللاجدوى، ولم نكن ندري أن الهواء سيصبح يوماً ما وسيطاً اتصالياً وفياً وقوياً، فالشبكات الاجتماعية وسيط سيبري يمكن تشبيه مستخدميه بالسابحين سوياً في الفضاء، وإن فرقتهم أراض شتى. وباعتبار كون الشبكات الاجتماعية أحد أشكال الإعلام الجديد والبديل الذي يتجاوز المجتمع الجغرافي الصغير إلى مجتمع تجمعه مصالح واهتمامات مشتركة بلا جغرافيا ولا حدود فهو يكوّن أفراده ويقيم حدوده بنفسه ويمنح حق الوصول والمشاركة لكل أحد، فالرسالة الاتصالية في المجتمع البديل يمكن أن تكون من الأسفل للأعلى وتمنح حق المشاركة الديمقراطية للجميع كجزء من حقوق الإنسان في التعبير والاتصال. ومما يميز الشبكات الاجتماعية كونها تجمع بين الإعلام الجديد كوسيلة وآلية والإعلام البديل كثقافة وأيديولوجيا محركة؛ وهذا ما يجعل لها قوة تأثيرية ضخمة لا يمكن الاستهانة بها. لهذه الأسباب ولسواها وجدت الشبكات الاجتماعية مناخاً خصباً للانتشار بين الجماهير العربية المتعطشة للمشاركة المدنية. والسعودية التي تشهد نمواً هائلاً في عدد مستخدمي الإنترنت - فبحسب هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات - قفز عدد مستخدمي الإنترنت من 200 ألف مستخدم عام 2000م إلى 4.8 مليون مستخدم عام 2006م، ثم إلى 13 مليون مستخدم عام 2012، فقد شهدت الشبكات الاجتماعية كثيرا من المبادرات التي طوعت التقنية لخدمة أهدافها في التعبئة الاجتماعية، ومن أوائل تلك المبادرات الاجتماعية الحملة الشعبية لإنقاذ جدة، التي قامت على أثر حادثة سيول جدة 2009 بجهد شبابي عمل على امتدادي الفيسبوك والواقع، فقد أسهمت المجموعة في عملية التحذير والتنبيه حول الطقس، كما حشدت المتطوعين من الشباب لتوزيع التبرعات وإسعاف الناس، وهو دور ريادي قام به الشباب على نحو غير مسبوق من خلال الفيسبوك. ونلاحظ في هذا المثال قيام الشبكات الاجتماعية بدور المجتمع المدني بجدارة؛ إذ استطاعت الشبكات القيام بدور إعلامي ريادي من خلال التعبئة الشعبية للمساهمة في قضايا المجتمع والحضور في عديد من الأزمات، مثبتة جدارتها من خلال خلق مجتمع متقارب قوي وصلب يستطيع حشد الجماهير واهتمامهم نحو القضية المطروحة على الرغم من حالات الحظر في أرض الواقع، ولا غرو في ذلك حين نستحضر التفاعل والآنية والمشاركة ثنائية الاتجاه التي تتيحها الشبكات الاجتماعية للمستخدمين. إذاً هل يمكن القول إن الفضاء الإنترنتي يمكن أن يسهم في التعبئة الشعبية في المحيط العربي؟ الحقيقة إن الشبكات الاجتماعية بشكل خاص والإنترنت بشكل عام أسهمت في ذيوع ثقافة المشاركة والمحاسبة المجتمعية وكونت صوتاً مجتمعياً لا يمكن الاستهانة به رغم بساطة الأداء وعفويته في كثير من أشكاله، لكن كل هذه الإسهامات لم تصل مداها النهائي بعد وما زالت مؤهلة للمزيد، فعلى الرغم من النمو المتسارع لأعداد المشتركين ونمو وتيرة طرح القضايا الاجتماعية والهموم المحلية في الشبكات الاجتماعية، إلا أن هذا الحشد الافتراضي لا يكفي، بل يجب أن نوجد للمبادرات الافتراضية امتداداً واقعياً محسوساً بحيث يستطيع الحراك الشعبي على الإنترنت أن يمتد بتجربته إلى الواقع، وبحسب بعض المختصين فإن الانكفاء على الإنترنت يدفع الأفراد للعزوف عن الواقع الفعلي والانخراط في واقع افتراضي أقل تكلفة وأكثر إثارة، وهو ما يحيلهم لحالة من (الاغتراب) ممزوجاً بالسخط، الأمر الذي يمكن أن يهدم في لحظة ضعف واحدة.. ما بناه الإنسان من أحلام ومُنى طيلة حياته!