يتساءل المؤلف قائلا: «لماذا تتعارض القيم الآسيوية مع الديموقراطية؟». ويجيب: في بداية الثمانينيات من القرن العشرين اجتاحت ما عرفت ب«موجة الدمقرطة» دول آسيا الشرقية وجلبت معها سياسة التعددية الحزبية لتحل مكان الأنظمة الأوتوقراطية السابقة، مثل كوريا الجنوبية وتايوان. غير أن «دوه تشول شين» يرى اليوم أن الدول ال16 في شرق وجنوب شرق آسيا ليس بينها سوى 6 دول ذات أنظمة ديمقراطية بالفعل، وهي نسبة أسوأ من المعدل العالمي المعروف، وهو ست دول ديمقراطية من بين كل عشر دول. فالمنطقة لا تزال تشهد بعض أسوأ أنواع الأنظمة الأوتوقراطية. وفي غضون ذلك، تنقلت كمبوديا والفيليبين وتايلاند بين حكومات منتخبة وحكومات غير منتخبة، فيما تمكنت الصين بفضل نجاحها الاقتصادي واستقرارها السياسي من جعل نفسها نموذجا تحتذي به الكثير من الدول الكبرى في العالم. والسؤال هنا هو: ما السبب الذي يجعل من الصعب على آسيا أن تتجذر فيها الديمقراطية؟. إن جزءا من الجواب على هذا السؤال قد يكون مرتبطا بالثقافة. غير أن مناقشات الثقافة يمكن أن تجعل العلاقة بين القيم والحوكمة أكثر غموضا وتعقيدا. وتلك كانت الحالة خلال الجدل الطويل حول ما إذا كانت القيم الآسيوية التقليدية تتواءم مع الديمقراطية وهو جدل يحاول «شين» في كتابه أن يتوصل إلى نهاية سعيدة له عبر الفصل بين الأساطير والوقائع وبين الافتراضات والدلائل. ويوضح الكاتب أن ما يسمى بالجدل بشأن القيم الآسيوية كان أطلقه زعيما ماليزيا وسنغافورة مطلع تسعينيات القرن العشرين؛ لأنهما كانا يتخوفان من أن تؤدي نهاية الحرب الباردة والضغط الأمريكي على الصين بخصوص حقوق الإنسان والديمقراطية بعد أحداث ميدان «تيان إن مين» إلى زعزعة استقرار المنطقة. وفي حوار مع مجلة «فورين أفيرز» عام 1994 حذر «لي كوان يو» زعيم سنغافورة آنذاك الدول الغربية من مغبة محاولات فرض أنظمتها الديمقراطية بشكل عشوائي على مجتمعات لا يمكن تطبيقها فيها. وقال «لي» إن الديمقراطية حسب النموذج الغربي مع تركيزها على الحقوق الفردية متناسبة مع ثقافات شرق آسيا ذات التوجهات العائلية. وفي خطاب ألقاه «لي» في ذلك الوقت، أكد أن المجتمعات الآسيوية لن تزدهر وتتطور من خلال اعتمادها النماذج الاقتصادية الغربية ومعاييرها الاجتماعية واستراتيجياتها في الحوكمة. بل عبر ما وصفها ب«العلاقات الخمس» ذات الأهمية القصوى بالنسبة للكونفوشية، وهي: الحب بين الأب والابن أولا، والواجب بين الحاكم والمحكوم ثانيا، والتمييز بين الزوج والزوجة ثالثا، وأفضلية كبير السن على الأصغر منه رابعا، والإيمان والثقة بين الأصدقاء خامسا.