يقول المولى سبحانه وتعالى في سورة الذاريات «ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون». هذه الظاهرة نجدها في البشر كما نجدها في عالم الحيوانات والنباتات والحشرات والطفيليات. وعلي أضرب لها مثلا بالحياة الزوجية لطفيلي الملاريا. هذا الطفيلى الذي يسبب حمى الملاريا وينقله من إنسان الى آخر عبر أنثى البعوض طفيلي ميكروسكوبي دقيق جدا، ولنا أن نتخيل دقته إذا عرفنا أنه يغزو كريات الدم الحمراء ويتكاثر داخلها. وكريات الدم الحمراء يجتمع منها خمسة ملايين كرية على رأس دبوس. في مرحلة من مراحل حياة الطفيلي في دم الإنسان يتحول بعضه إلى ذكر وأنثى.. وعندما تمتص البعوضة قطرة من دم الإنسان يتم التزاوج بين الذكر والأنثى في جدار معدة البعوضة. حصيلة هذا التزاوج اللاجنسي (أي باندماج الخليتين الذكرية والأنثوية) تخرج الذراري. هذه الذراري لا تستطيع أن تغادر جسم البعوضة لتكمل دورة حياتها في جسم الإنسان إلا عن طريق لعاب البعوضة الذي تفرزه لكي تسيل دم الإنسان حتى تستطيع امتصاصه. ولذا نرى هاته الذرارى تسبح في جسم البعوضه بقدرة الله الى أن تصل الى غددها اللعابية فتكمن فيها الى أن يتسنى لها الخروج مع لدغة البعوضة لإنسان. كيف تحولت بعض هذه الطفيليات إلى ذكر وأنثى؟ وكيف تسنى للزوجين أن يحتفلا بعرسهما في جدار أمعاء البعوضة؟ ومن وجه ذراريهما للهجرة الجماعية للغدد اللعابية للبعوضة؟ كل هذه الأسئلة يقف العلماء أمامها حائرين.. إلا أن يؤمنوا بأن هناك قدرة حكيمة مدبرة.. دبرت هذه السلسلة من الأحداث كي يتم طفيلي الملاريا دورة حياته بين الإنسان والبعوضة «وكل شيء خلقناه بقدر». صدق الله العظيم. طالما أن الحديث عن الملاريا فلا بد أن يتطرق بنا الأمر إلى البعوضة الناقلة للمرض. وكما الحال في جنس البشر، أنثى البعوض هي المسيطرة وإن لبست ثياب الضعف. البعوضة الأنثى هي التي تمتص دم الإنسان أما الذكر فخامل الذكر يعيش ويتغذى على رحيق الأزهار. أنثى البعوض هي التي تحمل زوجي طفيلي الملاريا، وهي التي تصطاد الإنسان وتغزوه وتصيبه بالمرض. والبعوض أنواع. منه (الأنوفلس) الذي ينقل حمى الملاريا ويختار لنفسه بيئة خاصة به يتوالد ويتكاثر فيها ولا يزاحمه فيها بعوض غيره. تلك هي المساحات الكبيرة من المياه كالمستنقعات ومياه السيول والأنهار. ومنه (الإيديس أيجيبتاى) الذي ينقل حمى الضنك والحمى الصفراء وهذه لا يحلو لها إلا أن تتكاثر وتتوالد في التجمعات الصغيرة من مخلفات الأمطار أو غيرها من مصادر المياه كالتي نجدها في تجويف كفرات السيارات أو علب الصلصة أو المزهريات في الحدائق. من البعوض من ينشط بالليل ومنه من ينشط بالنهار. منه من لا يعجبه الا دم الإنسان يتغذى عليه ومنهم من يلذ لهم دم الحيوانات. بعضهم شرس عدواني والبعض الآخر هادئ الطبع لينه. ونحن لا نفتأ نردد قوله جل وعلا «وكل شيء خلقناه بقدر».