الاختلاف الإنساني سنة كونية، وفطرة طبيعية بين البشر، ولا يمكن تجريد الإنسان من حرية رأيه، وقد يجهل البعض أن الاختلاف هو بداية الحوار، ولولاه لما كان هنالك حوار من الأصل، ولم يكن هنالك حضارة لأن الحضارات لا تبنى إلا بالاختلاف الإيجابي، ولو اتحدت آراؤنا وتوازت أفكارنا لأصبحنا متشابهين في كل شيء، والتشابه يورث الملل، ولا يغذي البهجة المغروسة في أنفسنا، فالتنويع سنة بشرية، وقد أتى القرآن الكريم بذكر الاختلاف في سورة فاطر كما قال تعالى «فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها»، واختلاف الألوان يسر الناظر لها، كذلك الأمر مع آرائنا المختلفة، فتباينها يخلق جوا فكريا إيجابيا يحرض على الإبداع والاكتشاف في ما نتحاور فيه. ورغم جمال الاختلاف، إلا أنه قد يقود إلى النزاع والبغضاء، بل إنه السبب الأول في نشأة الطائفية البغيضة بين الناس، والحروب التي أراقت الكثير من دماء الأبرياء، هذا الاختلاف الهدام لا يرحم، فهو بين طرفين يسعى كل منهما إلى إثبات صحة قوله على الآخر، وأبسط ردة فعل هي رفض ما أتى به الآخر، ليحاول كل طرف أن يثبت رأيه بأدوات القوة التي يمتلكها، ومع اختلاف أدوات القوة يختلف الضرر، فإما سلاحا أو جدالا أو قتالا وما إلى ذلك. إن الاختلاف الإيجابي والجدل العلمي يقوم بإثراء فكرنا من حيث لا نعلم، إذ أستطيع تشبيه الحوار بالمصفاة التي تصفي البطاطا من الزيت، فالأول استفاد من حرارة الأخير في إنضاج محتواه، وهذا ما يجب على الحوار أن يفعله، أي نضوج آرائنا وتلاقح أفكارنا تحت ظلال نقاشاتنا، فالشورى أدب عظيم، وقالوا قديما «ما خاب من استشار»، لأن المشورة تصفي الآراء الصائبة إلى الرأي الأكثر صوابا، فالحلول المختلفة قد تكون جميعها صحيحة، لكن دائما هنالك حل صائب أكثر مرونة مع المشكلة التي نتشاور بتفاصيلها. وإني لأرى احترام الآراء من حولنا هو الدرب القويم لتفادي منغصات الاختلاف، فمن لا تحترم ما يؤمن به لا تتوقع بأنه سيحترم ما تؤمن أنت به، ولنا في الحكمة الإلهية مضرب مثل حين يقول الله تعالى في سورة الأنعام «ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم»، أي أن سب آلهة المشركين سيدعوهم إلى سب إله المؤمنين وهو الله جل شأنه، وأتى النهي من باب إغلاق المفسدة المترتبة على سب ما يعتقدون بصحته. وهذا ما يجعل للصمت «حكمة» وإن كنا نكره ما كنا به مختلفين. قد نسأل في أحد الأيام، كيف لنا أن نختلف في حدود الأدب الذي يحمي حقوق كل فرد دون مساس بما يعتقده الآخرون؟ والجواب لا يمكن محو التأثيرات السلبية لذلك، بل يمكننا التقليل منها بصمت الحكماء أو ردود العقلاء المجردة، فالخير والشر لا ينفصلان إن كانا في أرض واحدة، فبالخير ندرك الشر، وبالشر نستدعي الخير. [email protected]