عندما نبه المؤتمر العالمي للفتوى الذي اختتم أعماله في جاكرتا أمس الأول، على خطورة الفتاوى الشاذة وحذر المسلمين منها، فإن أعضاء المجمع الفقهي (المنظم للمؤتمر) والعلماء والمفتين والأكاديميين والباحثين المتخصصين المشاركين في المؤتمر يؤكدون على ضرورة ضبط الفتوى وخاصة المباشرة عبر الفضائيات والانترنت، لذلك فإنهم طالبوا بأن تتولى الإفتاء في تلك الوسائل الإعلامية شخصيات مؤهلة قادرة على مراعاة ظروف المجتمعات الإسلامية وتنوعها، خاصة أن المؤتمر من خلال جلساته وأبحاثه ونقاشاته عني بالفتوى وضوابطها وصفات المؤهلين لها، مع ضرورة التنسيق مع المجامع الفقهية ومجالس العلماء والفتوى والهيئات الشرعية في الاجتهاد الجماعي في مختلف المجتمعات الإسلامية. من هنا؛ خرجت توصية من المؤتمر ببث الوعي لدى عامة المسلمين عبر وسائل الإعلام المختلفة بأهمية الفتوى في ضبط مسيرة الحياة مع ضرورة الالتزام بآداب الفتوى والاستفتاء، وترجمة قرارات المجامع الفقهية ونشرها عبر وسائل الاتصال المختلفة (منها الموقع الإعلامي الذي أطلقه المؤتمر). ولم ينس المؤتمر التأكيد على مكانة العلماء ومسؤوليتهم العظيمة في بيان الحق وإرشاد الناس، فلهم المنزلة الرفيعة بشهادة المولى عز وجل في كتابه العزيز بقوله سبحانه وتعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات). ولذلك؛ كان واجبا على العلماء من أجل بيان الأحكام الشرعية ودلالة الناس عليها الاعتناء بمنصب الإفتاء والمفتين، وأن لا يتولاه إلا مؤهل له عارف بضوابطه وآداب المفتي والمستفتي، لأن المفتي هو الموقع عن الله تعالى في فتواه. ولم يكن غريبا أن يوصي المؤتمر في ختام أعماله بعد عدة جلسات فقهية وعلمية، بأهمية العناية بالفتوى على المستويين الرسمي والشعبي، لبيان الحكم الشرعي وما أجمع عليه علماء الشريعة، مع ضرورة الحرص على الوحدة الإسلامية وتعظيم الجوامع والكليات والثوابت والمصالح العليا للأمة ونبذ الفرقة والوسائل المؤدية إليها، إضافة إلى تعميق الحوار البناء الهادف والحذر من التكفير والتفسيق والإقصاء والعنف. ولنشر ثقافة الفتوى في جنوب شرق آسيا بحكم أن المؤتمر أقيم لتلك الشعوب؛ جاءت التوصية بتيسير سبل الوصول إلى المفتين ومعرفة الفتوى والتوسع في نشر مراكز لها في المدن والمقاطعات في مختلف البلدان الإسلامية، وتكوين فريق متخصص لدراسة وضع الإفتاء والمشكلات التي تواجه المفتين والعمل على حلها، وإقامة دورات سنوية للمفتين ومن يرغب في التأهيل للفتوى، وتأسيس منتدى أو مجمع فقهي يكون مقره في اندونيسيا ينظر في القضايا العامة وما يجد في حياة المسلمين من نوازل لإيجاد الحلول المناسبة لها ويتعاون معه المجامع الفقهية ومجالس الإفتاء والهيئات والمؤسسات الشرعية. وبحكم أن «الاجتهاد الجماعي» علاج لمشكلات العصر؛ فإن المؤتمر اهتم بتلك المسألة من خلال عدة أبحاث طرحها بعض العلماء المشاركين، ولذلك فإن الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي يؤكد أن المسلمين في حاجة للاجتهاد، وأن الفتوى مستمرة ومتجددة لا يسدها إلا تحصيل الكفاية من العلماء الأكفاء في كل عصر. وأوضح أنه في ظل تطور تقنية الاتصال والمعلومات وانتشار البث الفضائي أصبحت الفتوى تواجه مشكلات وحيثيات جديدة أفرزتها هذه التطورات، الأمر الذي استدعى من أهل التخصص جهودا نوعية من الأبحاث والدراسات التقويمية تهدي إلى ضبط الفتوى وترشيد ممارستها ونشرها، بحيث تكون مصونة من التسيب والابتذال مع استثمار التقنية الحديثة في التعاون والتنسيق بين جهات الافتاء المختلفة من الأفراد والهيئات حتى لا تتضارب الفتوى تضاربا يستغله من يريد أن يشتت على الأمة أمرها. كما رأى الدكتور التركي أثناء المؤتمر، أن الفتوى لها أهمية كبرى في دين الله وفي حياة المسلمين، وبها يعلم الحلال من الحرام والقرآن هو الأصل الأول في معرفة ما شرع الله لعباده تتلوه السنة النبوية، حيث اشتملت نصوصها على علل معقولة ومعان تناسب أحكامها تهدي الفقهاء إلى الاستنباط منها والتفريع عليها لاستجلاء أحكام ما يعرض للناس من قضايا ونوازل لا تتناهى. وأكد التركي، أن علماء المسلمين عليهم مسؤولية كبيرة في حمل رسالة الإسلام وتبليغ الرسالة والدفاع عنها، مطالبا بتعميق الروابط فيما بينهم، مبينا أن الأمة تواجه تحديات كبيرة وخطيرة في الوقت الحاضر تحديات، تجعل المسؤولية ثقيلة على كاهل العالم الإسلامي، وتحتاج منه إلى بذل المزيد من الجهد في تبيان الحق والنصيحة. وأوضح التركي، أن الفرقة والاختلاف والنزاع مسائل تستغل من أعداء المسلمين، ولا بد أن نعمل على إزالتها، مبينا أن الغزو الثقافي والفكري يمثل أحد التحديات، مشيرا إلى ضرورة أن تكون هناك حصانة والتحذير من العولمة وآثارها في المجال الديني والأخلاقي، مؤكدا أن مسألة الفتوى تعد من أعظم مهام العلماء؛ لأنها تنطوي على بيان الحكم الشرعي المستند على الكتاب والسنة. وكانت رابطة العالم الإسلامي قد وقعت اتفاقية تعاون مع مجلس العلماء الاندونيسي، تشتمل على: تعزيز التعاون بين الطرفين، وتبادل الزيارات بين المسؤولين في الجانبين، وتنظيم لقاءات دورية بين العلماء ومسؤولي الهيئات الإسلامية، وتبادل المطبوعات والبحوث في جميع الاختصاصات، وتنظيم دورات تأهيلية للأئمة والدعاة الإندونيسيين، والتعاون في تنظيم المحاضرات والندوات والمؤتمرات، ومساهمة الرابطة في تسهيل قبول الطلاب الإندونيسيين.