خلال نصف القرن الماضي مرت مهنة الصيدلة بمراحل متعددة، ابتداء من تحضير الأدوية بالمعامل الصيدلية، وصرف الوصفات الطبية، إلى المشاركة في وضع وتنفيذ الخطة العلاجية بكل مأمونية وفاعلية، أو ما يسمى بالصيدلة السريرية. هذه الفترة لم تكن خالية من المصاعب ومحبطة في بعض الأوقات، وذلك من جانب نظرة البعض القاصرة للصيدلي كمجرد بائع للدواء، وعزز هذا المفهوم الصيدليات التجارية التي تعمل بسوق دواء يبلغ قيمته السنوية أكثر من 13 مليار ريال، ولا تعطي في المقابل هي وشركات الأدوية ما يوازي أرباحها المهولة في دعم الأنشطة الصحية والتثقيف الدوائي للمجتمع والمشاركة في الأبحاث الصيدلية والتعريف الصحيح بمهنة الصيدلة. منظمة الصحة العالمية أوصت أن يخرج الصيدلي من دوره التقليدي، إلى أن يشارك بفاعلية في رعاية المرضى، من خلال أن يكون مزودا للخدمة الطبية بمهارات الاتصال التي يمتلكها وقائدا وصانع قرار ومعلما وباحثا أيضا. ولا يخفى على الكثير أن الصيدلي له القدرة على وضع توصيات على جرعة الدواء وطريقة الاستخدام ودواعي الاستخدام المعتمدة والمجربة والأعراض الجانبية للأدوية والتداخلات الدوائية وتعارضات المحاليل الوريدية، وإذا حصل على التدريب الكافي كما يحدث في بريطانيا وأمريكا يستطيع أن يصف بعض أنواع الأدوية لبعض الأمراض، ويستطيع أيضا أن يضبط جرعة أدوية لعلاج أمراض معينة، مثل علاج الكوليسترول المرتفع وخثرات الدم بناء على قراءات المختبر. ولكن من أهم التحديات التي تواجه مهنة الصيدلة ضعف مستوى ومخرجات بعض كليات الصيدلة التي افتتحت مؤخرا، وعدم إعطاء الصيادلة الجدد الثقة اللازمة لتحمل مسؤولية الرعاية الصيدلية في الأقسام الطبية بالمنشآت الصحية، وعدم احتوائهم ومساعدتهم من قبل بعض أفراد الطاقم الطبي. والحق يقال أن معالي وزير الصحة ونائبيه داعمون مهمون لمهنة الصيدلة. واستبشرت خيرا، مؤخرا، بتكليف الدكتور الصيدلي يوسف العومي مديرا للرعاية الصيدلية في وزارة الصحة، والدكتور العومي من الكفاءات الوطنية الغيورة على مهنة الصيدلة، وشرع بتنفيذ برامج مهمة لتطوير الصيدلة، منها على سبيل المثال لا للحصر عمل هيكلة جديدة لإدارته، واستحداث أقسام جديدة للصيدلة السريرية والسلامة الدوائية، والبدء في مشروع الصيدلة الإلكترونية، وربط جميع صيدليات المستشفيات والمراكز الصحية إلكترونيا، والتجسير لفني الصيدلة للحصول على البكالوريوس وعمل لجنة للأبحاث والابتكارات الصيدلية. وفي الختام، هذه الإجراءات ينبغي أن يوازيها سعي الصيادلة الحثيث لتطوير أنفسهم وتحديث معلوماتهم، ولدينا أمثلة رائعة في الوطن من صيادلة وصيدلانيات أثروا الحياة الطبية بعلمهم وفكرهم، وأصبحوا مراجع يشار لها بالبنان، وننتظر منهم المزيد.. والله الموفق. [email protected]