هل تساهم الأنظمة المالية، وأساليب الإنفاق العام في ترسيخ المفهوم الريعي، بدلا عن الإنتاجي عند بعض المواطنين؟ وهل تتحمل إيرادات النفط أعباء ومسؤوليات حل المشاكل الاجتماعية للأفراد؟ فمن المعروف أنه يتم تشكيل المواطن، ليكون صالحا عاملا ومنتجا من خلال المؤسسات التي يعيش فيها في مجتمعه والتي تحدد الكيفية التى ينشأ بها الفرد فى المجتمع منذ ميلاده. فتؤثر مؤسسة الأسرة والعائلة في نوعية الفرد، بحيث تؤدي رعاية مرحلة الطفولة ومايعقبها من خبرات يكتسبها من محيط الأسرة والمجتمع، ومن الأنشطة التى يمارسها إلى تأسيس شخصية المواطن، ثم تزداد معارفه وعلومه وثقافته ومهاراته التى يستمدها من مؤسسات التعليم والتدريب والعمل، ليصبح في النهاية مؤهلا ليكون من بناة المجتمع، وقادرا على الإنتاج والمساهمة في نماء مجتمعه في مختلف المجالات. وبجانب كل هذه المؤسسات نجد المؤسسة الاقتصادية والمالية التي تساهم أيضا في تشكيل المواطن، وتحديد إمكانياته وقدراته ورغباته في المشاركة الإنتاجية. ولايخفى على أحد أن العوائد الضخمة للنفط يسرت الإمكانات وإيجاد رفاهية قائمة على عوائد الثروات الطبيعية الناضبة بدلا من عوائد إنتاج الأفراد في الاقتصاد، كما أن توزيع الدخول جعلت الكثير يعتقد أن الثروة استحقاق طبيعي تجود به الأرض، وليس استحقاقا نتيجة العمل والجهد. وهذا المفهوم الريعي أدى إلى اعتماد الكثير على الموارد الطبيعية، وما تجود به آليات توزيع هذه الموارد على الأفراد، بدلا عن جني المستحقات الناجمة عن المساهمة الحقيقية في الإنتاج، والبحث عن فرص وظيفية بدلا عن فرص عمل كما كان في السابق. ولهذا قد لايكفي تحويل الاقتصاد السعودي من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد إنتاجي، فبجانب استكمال البنية التحتية والأساسية، يجب تغيير المفاهيم الراسخة لدى العديد من الأفراد، وتحفيز إحداث تغير نوعي فى المجتمع بمشاركة كل مؤسسات المجتمع، لتطوير وتنمية المسؤولية الفردية لدى الأفراد، وتحفيز القدرة على المشاركة الفعالة لتطوير الإنتاج للمواطن الصالح و العامل و المنتج، وتزويدهم بالمعارف والمهارات التى تؤهلهم للانتقال إلى عالم العمل، واستيعاب احتياجات أداء الأعمال بكفاءة ومهارة، وكذلك قيام المؤسسة الاقتصادية والمالية بتغيير الأفكار والمفاهيم والممارسات لكافة أفراد المجتمع، وتنمية الشعور بأهمية المشاركة في تنويع الاقتصاد، وخلق الثروة وتنمية الإنتاج بحيث يفيض حجم الإنتاج المحلي ليكفي استهلاك كافة أفراد المجتمع ويفيض للتصدير، وأن يفيض صلاح العاملين ليلغي أثر الفاسدين منهم، والنهوض بتوطين المعرفة والتقنية، ومواكبة التطور العالمي فى العلوم والآداب والفنون.