إن ماتم خلال السنوات القليلة الماضية في مؤسسات التعليم العام والعالي في المملكة بجانب الابتعاث للخارج سيؤدي ولاشك إلى إحداث تغيير نوعي على أداء المجتمع والاقتصاد. فمن البديهي القول إن نمو الاقتصاد بصحة واقتدار يخدم كافة سكان المجتمع، إلا أن جزءا من هؤلاء السكان (القوى العاملة) يمكنهم تحقيق هذا النمو. ولهذا تبدأ أي تنمية بتكوين المواطن الصالح والعامل والمنتج من خلال توفير الروافد التي تجعله كذلك، وضمان مصادر الرزق له، وتحديد مكافأته على أساس عمله، وتنمية سلوكه ومهاراته ورفع كفاءته الإنتاجية، ليتمكن الجزء الذي يعمل من تلبية متطلبات كافة السكان ضمن الاقتصاد. وتعكس عملية تشكيل المواطن ليكون صالحا عاملا ومنتجا أهمية البناء النوعي للسكان، من خلال إحداث تغير نوعي في المجتمع عن طريق تطوير الكيفية التي ينشأ بها الفرد في المجتمع منذ ميلاده. ولهذا يبدأ الاستثمار في تغيير نوعية الفرد من رعاية الطفل، ويمتد إلى تحسين الخبرات التي يكتسبها من محيط الأسرة والمجتمع، والأنشطة التي يمارسها، والمعارف التي يستمدها من نظم التعليم والتدريب والعمل. ولهذا تتضامن وتتكامل جهود الأسرة والبيئة المحيطة بها مع مؤسسات التعليم لتحقيق هدف التغيير النوعي للسكان، ضمن أهداف المجتمع وغاياته لإعداد مواطنين أكفاء مؤهلين علميا وفكريا، تأهيلا عاليا لأداء واجبهم في خدمة مجتمعهم، وذلك في إطار تكوين بيئة علمية تسهل بناء شخصية الطالب وتنمية المسؤولية الفردية لديه مع القدرة على المشاركة الفعالة في حياة المجتمع. فالمدارس مسؤولة عن إنتاج طلاب يصلحون لتكوين أمة قوية في أجسامها، سليمة في عقولها، متينة في أخلاقها، فيتخرج كل طالب وهو مؤهل ليكون من بناة المجتمع، وصالحاً غيوراً على أمن ورفعة وطنه وحريصا وقادرا على نماء مجتمعه في مختلف المجالات. كما تعتبر الجامعات أحد مراكز تطوير الإنتاج للمواطن الصالح والعامل والمنتج، فتتمثل مخرجاتها أو منتجاتها في: الخريجين والأبحاث والابتكارات والاختراعات، إضافة إلى إثراء المعارف والأفكار والثقافة بجميع أصنافها عند كافة أفراد المجتمع، ثم تصبح هذه المخرجات مدخلات مرة أخرى في دورة إنتاج تالية وفقا للتطور التنموي. وبجانب تقديم الجامعات المعرفة لطلابها وتزويدهم بالمعارف والمهارات التي تؤهلهم للانتقال إلى عالم العمل واستيعاب احتياجات أداء الأعمال بكفاءة ومهارة، فإنها تغير الأفكار والممارسات وتيسير الثقافة العلمية لكافة أفراد المجتمع، سواء من خلال مراكز أو برامج خدمة المجتمع، أو من خلال مساهمات منسوبيها في دفع الحركة الثقافية والإعلامية ومتابعة ومواكبة التطور العالمي في العلوم والآداب والفنون، والنهوض بتوطين المعرفة والتقنية بطريقة تناسب احتياجات المجتمع بدلا من الاكتفاء باستيرادها. وكما يستوجب النمو أن يفيض حجم إنتاج الجزء الذي يعمل ليكفي كل أفراد المجتمع (ويفيض للتصدير)، فإنه يستوجب أيضا أن يفيض صلاح العاملين ليلغي أثر الفاسدين منهم.