يظل الهاجس الصحي وتلقي الخدمات الصحية بالمستوى العالي هاجس المواطن والدولة على حد سواء، ورغم ما رصد في السنوات الماضية من إمكانيات مالية وبشرية إلا أن الخدمات الصحية لا يزال ينظر لها البعض بأنها أقل من المأمول ودون المستوى المقبول. يمثل انتشار وتوزيع الخدمات الصحية على مستوى المملكة، سواء بشكل إجمالي أو بشكل نوعي أحد التحديات التي تواجه القطاع الصحي في المملكة، فإذا ما أخذنا الجانب الكمي نجد أمثلة التفاوت التالية في توزيع الخدمات بناء على عدد الأسرة، والتي تعد أحد أهم المعايير لتوزيع الخدمة مقابل السكان. الدراسات والبحوث الميدانية المعمقة والدراسات المقارنة مع الدول المجاورة أظهرت وجود اختلال واضح فيما يتعلق بتقديم خدمات الرعاية الصحية فبعض من المراكز الصحية لا تزال مستأجرة وأقل من المأمول في الأداء وفريق العمل من الأطباء والممرضين، الدكتور سعيد الشيخ، كبير اقتصاديي مجموعة البنك الأهلي التجاري، أكد في دراسة نشرت مؤخراً أن حصة القطاع العام من قطاع الصحة ما زالت تتأرجح حول 77 في المائة منذ عام 2009، والتي تشكل منها مساهمة القطاع الخاص ما نسبته 23 في المائة، في حين بلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي للرعاية الصحية نحو 2.5 ألف ريال تقريبا في العام نفسه. وأضاف لا يزال الاعتماد الكبير على القوة العاملة الأجنبية أبرز هذه التحديات، في ظل عدم توفر الكفاءات الوطنية المؤهلة وهذا لا يتناسب مع ارتفاع معدل نمو السكان وطول العمر المتوقع وزيادة حالات الأمراض غير السارية من شأنه أن يدفع بقطاع الصحة إلى الاعتماد على مساهمة القطاع الخاص في الوفاء بالطلب المتزايد على الرعاية الصحية. وأوضح أن تزايد الطلب على المستشفيات وأسرتها سيقتضي استثمار ما يقدر بنحو 23.3 مليار ريال بين عامي 2010 و2015، إضافة إلى أن حصة مساهمة القطاع الخاص في الاستثمارات بالقطاع الصحي ستبلغ ما يقارب 9.6 مليار ريال بحلول عام 2015، وذلك بمعدل 1.6 مليار سنويا. وأوضحت الدراسة أن أبرز المخاطر الأخرى التي تحد من تمويل القطاع الصحي من قبل البنوك تتمثل في عدم التوافق بين آجال الخصوم والأصول، وأوجه القصور التشغيلية للمقاولين، إلى جانب عدم القدرة على الحجز على المستشفيات في حالة التخلف عن السداد. وعن إجمالي الناتج المحلي للقطاع الصحي قال الدكتور سعيد شيخ أنه يبلغ نحو 74 مليار ريال متوقعا أن يكون الدعم الحكومي غير كاف نظرا لتزايد الطلب على الخدمات الصحية في مختلف المناطق والمحافظات والمراكز. وتوقع تزايد الطلب على خدمات الرعاية الصحية في الارتفاع خلال السنوات ال5 المقبلة في ظل النمو السكاني السريع وتزايد حجم شريحة كبار السن من السكان وانتشار الأمراض غير السارية طويلة الأجل، مؤكدا أن الحكومة لم تبلغ تحقيق جميع أهدافها المرصودة في خطط التنمية السعودية المتعاقبة رغم الخطوات التي اتخذتها في سبيل تعزيز نظم تقديم الرعاية الصحية. من جهتهم أكد الأطباء المتخصصون أن الميزانية تعطي دائما الأولوية لقطاع الصحة ويكون لها نصيب الأسد من الضخ المالي باعتبار أن صحة الإنسان هو أغلى ما يملكه، وأشاروا ل «عكاظ» أن تركيز الاهتمام في ميزانية الصحة يكون دائما في جانب التوسع في مشاريع بناء المستشفيات وهو ما ينعكس إيجابا في تقديم وتوفير الخدمة الصحية في كل أرجاء المملكة. وفي نفس الاتجاه دعوا إلى أن تركز ميزانية الصحة على جوانب تمس احتياجات الأطباء وخصوصا في ظل وجود الكثير من التحديات التي يواجهونها من القطاع الصحي الخاص. زيادة الرواتب رأى البروفيسور زكي منور استاذ واستشاري الفيروسات الطبية في مستشفى الملك فهد بجازان، أن ميزانية الخير التي تحصل عليها الصحة تلبي الكثير من الاحتياجات للمرضى وخصوصا أن هذه الفئة في أمس الحاجة إلى رعاية صحية وخدمات تخصصية شاملة، والحمدلله إن وزارة الصحة أعطت هذا الجانب الأولوية وتضع خططا لتنفيذها وهو ما ينعكس إيجابا في زيادة شبكة ومنظومة الخدمات الطبية. وأضاف كل طبيب يعمل في القطاع الصحي يتطلع من خلال هذه الميزانية إلى زيادة الرواتب لمنع التسرب إلى القطاع الخاص لوجود امتيازات كثيرة، ولا أخفي إن قلت أن الوضع الآن أفضل في ظل الكادر الجديد إلا أن كل طبيب منتسب للصحة يحدوه الأمل في الحصول على امتيازات أكثر. ودعا استشاري ورئيس قسم مكافحة العدوى في صحة جدة الدكتور محمد حلواني، إلى زيادة حصة الأبحاث من خلال تخصيص بند للأبحاث في الميزانية بشكل عام وخصوصا الأبحاث الطبية على أن لا يكون هذا البند تابعا لأي قطاع وزاري يعمل فيه الموظف بل يكون تابعا للمالية مباشرة، مبينا أن الدول العالمية تصرف الملايين في إجراء الأبحاث وقد خصصت ميزانيات لا تدخل ضمن منظومة المشاريع الأخرى. وطالب الدكتور منصور الطبيقي مدير سلامة المرضى والمشرف على التطوير مستشفى الولادة والأطفال المساعدية، أن تركز ميزانية الخير على تجويد الخدمات الصحية والتركيز على مفهوم سلامة المرضى وتقليل الأخطاء الطبية وذلك من خلال زيادة المخصصات المالية، بهدف عقد ندوات ودورات تدريبية مكثفة لجميع الكادر الصحي في القطاع الصحي الحكومي والخاص عن سلامة المرضى وجودة الخدمات الصحية وتكون إلزامية وليست اختيارية وتستقطب هذه الدورات كفاءات محلية وعالمية في جميع التخصصات الطبية، ويشترط في هذه الدورات قياس المردود التعليمي منها عمل بعض الاستبيانات أو الاختبارات التي تشعر الحضور بأهميتها حتى يتم الاستفادة منها عمليا أيضا. وناشد بأن تستكمل ميزانية الخير ما أعتمد سابقا من مشاريع المستشفيات وتجهيزها بما تحتاجها من أسرة ومعدات للحد من ظاهرة نقص الأسرة والتعاقد مع طاقم طبي مؤهل لتشغيلها من دول مشهود لها بمخرجات التعليم والتدريب ولا أنسى بالطبع خلق وظائف لأبنائنا وبناتنا في القطاع الصحي وتدريبهم بالطرق العلمية الصحيحة، والأهم من ذلك كله هو الرقابة الصارمة على هذه المشاريع ماليا وميدانيا.