انسداد أفق التغيير نتيجة التوافق الذي شكله النظام اليمني السباق في ظل تحولات القوة على مستوى الواقع أنتج حراكا قويا لمواجهته، وتمكنت بعض القوى الشابة من تخليق ملامح انتفاضة سعيا وراء بناء فعل ثوري، ومع ركوب شركاء صالح موجة الطموح الثوري انقسم النظام على نفسه وانتهى الأمر بتوافق إعاد تغيير أحجار رقعة الشطرنج، وما زال النظام السابق بتفاصيله وتناقضاته يحكم من الخلف، وهذا لا يعني أن التأسيس للتغيير لم يحدث، فهذا الانقسام الحاد مكن مختلف الأطراف المستبعدة من فرض وجودها، وأصبحت الساحة اليمنية تعيش حالة فوضى وتوازنات وهذا طور وعي مراهن على بناء دولة القانون لدى أغلب النخب والكتلة الشعبية. ومن إيجابيات التحول الراهن أن الانقسام يأخذ مساراته من خلال التوافق وهو توافق متناقضين على مستوى الأفكار والرؤى وكيفية معالجة مشاكل اليمن المعقدة وعلى مستوى المصالح، لذا فهو توافق لضبط الصراع وتحويله من العنف إلى السلم، من السلاح إلى الحوار. وتعقل الأطراف المختلفة سيمكن الجميع من تحويل مؤتمر الحوار الوطني القادم إلى مخاض لتجاوز الماضي والتأسيس لمستقبل جديد، فالمبادرة الخليجية أسست لتنافس محموم بين القوى يمكنها من الإنجاز النافع للجميع وعلى هذه القوى أن تلتزم بالسلام وتدير الحوار للمساعدة على الخروج من المعضلة. يمثل الرئيس هادي المحور الضابط، وإدارته أثبتت أنه حريص على الإنجاز، ويتحرك في حقل ألغام بفن تشوبه بعض الأخطاء، ومن المهم أن يدرك أن أي تعديلات جذرية في تركيبة القوى عبر قرارات المؤسسة الرئاسية ستكون قنبلة معيقة للتحول، وسيدخل الجميع في صراعات العبث مرة أخرى. التفكير المثالي لم يعد مجديا، والحديث عن ثورة لا بد أن تصفي أعداءها ليس إلا لعبة في صراع المتنازعين، فالثورة لم تولد، والانقلاب الناعم الذي حدث من خلال الفعل الجماهيري خلق حالة توافق وقسمة انتقالية للموارد، وخلخل معوقات التغيير الذي سيتم إنجازه لا محالة. لم يتبق أمام الطموح الباحث عن ثورة إلا أن يعقلن حركته ويتعامل مع الواقع حتى لا يتحول إلى فريسة، وأن يصر الجميع على إنجاز تغيير بلا نفي أو إقصاء، وحماية التوازن وتطوير مساراته سيؤسس لدولة محكومة بدستور ديمقراطي، ومن يريد تدمير التوازن فإنه يملك أهدافا خاصة، فمن التوازن الراهن وتشتت القوى الباحثة عن دور سيولد يمن جديد قادر على مواجهة المخاطر والتحديات التي يواجهها.