اللغة وإن كانت لا تنفصل عن الفكر إلا أن دورها هو تنظيم وترتيب المعاني وتثبيتها.. فالمعاني موجودة قبل اللغة ولكنها في حالة من الفوضى والاضطراب والتشتت والسيلان الدائم بحيث يصعب، والحال هذا، أن نسميها (معاني). فنحن نسمي المعاني معاني إذا اقترنت باللغة، إذا عبرت عنها أو نظمتها ورتبتها وتصرفت فيها وأخضعتها لهيئتها الشكلية النسقية.. فاللغة إذا جردناها من المعاني هي نسق أو نظام أشبه بالنسق الرياضي، لأنها ذات طابع موضوعي.. أو لنقل لا تتحقق لها المعاني إلا في ظل الاجتماع.. والداعي لاختراع اللغة هو في الأصل داع اجتماعي يرمي إلى التواصل والتعبير والتبادل. فالاجتماع يرى أن خير وسيلة لنقل الأفكار والمشاعر هو نسق اللغة والنسق ذو طابع موضوعي، بمعنى أنه يسمح بنقل الأفكار والخبرات وفهمها بشكل مشترك. وأسمي المعاني قبل أن تتجسد في نسق اللغة هي أفكار ذاتية خالصة ؛ فإذا دخلت في شبكة اللغة تصير معاني، أي تصير مفهومة من قبل الجماعة اللغوية وتصبح قابلة للتداول والنقل والتواصل، وبالتالي إنتاج المزيد من (المعاني) وليس (الأفكار الذاتية) من خلال آلية الجدل الكلامي ومن خلال تلاقح وتفاعل معان كثيرة مع بعضها ليست سوى تعبير للخبرة البشرية : الخبرة اللغوية والخبرة الجمالية والخبرة السياسية و... إلخ. أما أفكار الذات الخالصة فلا يمكن نقلها ولا تداولها إلا إذا أصبحت معاني، أي إذا تنازلت عن شيء من ذاتيتها لصالح موضوعية النسق اللغوي وعن فرديتها لصالح الجماعة. إن أفكار الذات الخالصة قد لا تكون معروفة ومفهومة وواضحة حتى بالنسبة لصاحبها.. أي أن لها وجودا بالقوة يخفي ملامحها ويحجب طبيعتها. فإذا تمكن المرء من استيعاب الخبرات الاجتماعية التي تؤهله لاستخدام اللغة في نقل مشاعره وأفكاره الذاتية الخالصة، يكون لها وجود فعلي وموضوعي ومفهوم أي تصبح معاني. والمرء لا يعبر عن أفكار الذات الخالصة في حقيقة الأمر، بل يستثمر اللغة في خلق أو صنع (كلام) و(معاني) من هذا المنجم الثري. ومعنى الخلق هنا هو ترتيب وتنظيم أفكار الذات الخالصة داخل «نسق اللغة» الاجتماعي بطبعه.. فالقوالب اللغوية هي الرموز التي نثبت بها سيولة وانتشار وفوضى أفكار الذات الخالصة لكي تصبح قابلة للنقل والتواصل، أي لتصبح موضوعية.. فالموضوعية (باعتبارها ضد الذاتية الخالصة) ذات طابع اجتماعي اجماعي أو اتفاقي، وتحديدا في العلوم الإنسانية وموضوعاتها. كما أنها أي الموضوعية تعني الخضوع لقوانين عامة تضمن لما تصفه الاتساق والثبات والاطراد. وهنا يتحقق التواصل الاجتماعي للأفكار عن طريق اللغة. فما يجول ويصول في ذهن المرء ليس من السهولة بحيث تستطيع اللغة أن تتوفر عليه وتقبض عليه كله فهناك ما يشرد ويفلت وينطلق من أسر اللغة، وربما يأتي يوم للقبض عليه وتثبيته؛ أي تحويله إلى (معنى) قابل للتداول اللغوي. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 118 مسافة ثم الرسالة