الحوار أغلى لغات التواصل بين مخلوقات الله قاطبة التي تدير حواراتها بأشكال وطرق مختلفة تتناسب وقدراتها وإمكانياتها المختلفة ويظل الإنسان هو الأقدر على التعامل مع هذه النعمة والاستفادة منها بحكم ما وهبه الله من عقل لم يوهب لغيره من بقية المخلوقات ولكن لأن نعمة العقل نسبية بين الناس فإنه من الطبيعي أن يكون هناك تفاوت في العملية الحوارية من ناحية الهدف والفكرة وأسلوب العرض والمنطلقات ومستوى الوعي بين الأطراف. يفقد الحوار معناه عندما تختل هذه المعايير بين المتحاورين. والاستمرار به يحتم على قانون اللغة أن يستدعي نقطة عاجلة لتستقر على حرف الحاء ليناسب المقال الحال التي عليها الجميع انطلاقا من قول أبو تمام: إذا جاريت في خلق دنيئا / فأنت ومن تجاريه سواء . قام أحدهم بكتابة قصيدة هجاء في جرير ولم يرد عليها ولا على الثانية أو الثالثة. وعندما تكررت تلك الشتائم الشعرية. سأل جرير من حوله من هذا الشخص وماذا يريد قيل له إنه شاعر يقال له البردخت. فقال جرير: وما معنى البردخت قالوا البردخت لفظة فارسية تعني الشخص الفارغ. فقال جرير: طالما أنه فارغ فو الله لن أشغله بنفسي مهما قال عني. رحل جرير ورحل البردخت وبقيت هذه القاعدة الأخلاقية الفاصلة بما يكفي للتمايز والاختلاف ولو رد عليه جرير بكلمة واحدة لخلد التاريخ الشعري كل ما قاله البردخت !. في حياتك العامة لابد أن تواجه أكثر من بردخت في مسميات وأشكال ومواقع مختلفة وهو أمر يفرض عليك العقل والمنطق أن تتجاهله نهائيا .. إن فعلت فقد وضعته بمكانه المناسب وإن جاريته فأنت عفوا لا تقل عنه بردخة على الإطلاق!.