كانت الصورة المنشورة للمرأة الفارة من تعذيب زوجها وهي واقفة مستندة إلى حائط مركز شرطة الحفاير في خميس مشيط مجللة بالغطاء من رأسها لأخمص قدميها، تبعث على الإشفاق والغضب في آن واحد، تكاد تلمح بخيالك صفرة وجه المرأة والرعب مرتسم في عينيها، ترتجف لا تدري كيف تنقذ نفسها بعد أن حبسها الزوج في دورة المياه لأيام يعرضها للجلد والكي والإرغام على تناول الفضلات البشرية، حتى إذا ما سنحت لها فرصة الهرب انطلقت إلى الطريق تستنجد بمركز الشرطة عساه أن ينقذها قبل أن يتمزق ما بقي منها بمخالب وحش تبرأ البشرية منه. هذه المرأة لم تكن المعنفة الوحيدة وليست الأولى ولن تكون الأخيرة، حالات العنف ضد النساء والأطفال في تنام مطرد، ربما لتغير في ظروف الحياة وطبيعة العيش، وربما لم تتنام حقيقة وإنما نحن صرنا نراها كذلك لأن حالات التعنيف بدأت تخرج للضوء بعد أن كانت مطمورة تحت الركام. قضايا العنف الأسري إلى الآن لم تجد من يتبناها بحزم ليضع لها حدا، ورغم الجهود المقدرة التي تبذلها الجمعيات التطوعية كبرنامج الأمان الأسري أو غيره، إلا أنها تظل جمعيات محدودة الصلاحية لا تسندها قوة النظام، بل في بعض المرات ربما خذلتها بعض الأنظمة كالتي تقضي بتسليم المرأة المعنفة إلى زوجها أو والدها، وإعادة الطفل المعنف إلى أبيه، فيظهر النظام أحيانا كمعين للباغي على الاستمرار في ممارسة بغيه!! حالات العنف الأسري في بلادنا بلغت حدا لا يجوز شرعا الصمت تجاهه فالضرر الواقع على النساء والأطفال بسبب العنف يراه الناس منشورا في الصحف بصورة تكاد تكون يومية، فكم من امرأة قتلت بضربات مميتة من زوجها وكم من طفل أزهقت براءته بيد أبيه، وليس خبر الطفلة لمى عنا ببعيد، لكن هذه الحالات ما زالت يجري التعامل معها كحالات فردية وليس كقضية اجتماعية ينبغي وضع حلول فاعلة للحد منها إن لم يمكن القضاء عليها. وقد يكون ذلك بسبب غياب الإحصاءات الموثوقة التي تكشف عن مدى سعة انتشار العنف في المجتمع، فنحن لا نملك إحصاءات تخبرنا كم عدد اللاتي قتلن أو أصبن بإعاقة بسبب العنف الموجه ضدهن، كم عدد اللاتي تعرضن للاغتصاب المستمر من أقرب الناس إليهن ممن يقمن في كفالته ويعد وليا أو محرما لهن، كم عدد اللاتي يطردن من مساكنهن ويتركن مهتوكات الستر ملقيات على قارعة الطريق، كم عدد اللاتي أرغمن على الزواج من رجال لا يرغبن في الزواج منهم، كم عدد الأطفال الذين قتلوا بأيدي آبائهم نتيجة التعذيب، كم عدد الأطفال الذين اغتصبوا أو أوذوا بالتحرش الجنسي من أقاربهم، كم عدد الأطفال الذين حرموا من التعليم فانتهوا إلى عالم التشرد والجريمة. إن غياب مثل هذه المعلومات يسهم في عدم الإحساس بأثر خطورة ما يحدث من عنف داخل الأسرة. وهذا ما يجعلني أؤكد هنا على أهمية إنشاء مركز وطني متخصص بالدراسات الإحصائية ليكون مرجعا موثوقا يجد فيه الباحثون والمسئولون ما يحتاجون إليه من معلومات كمية تضيء لهم الحقائق عند مناقشة القضايا العامة، سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو أخلاقية أو أمنية أو غير ذلك. فاكس4555382-1 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة