ليس من السهل تطبيق نظام الرهن العقاري في المملكة دون النظر لأسباب فشل تجربة الرهن العقاري الأمريكي في أكبر اقتصاد في العالم لأخذ الحيطة منها وتفاديها، حيث ينظر الكثير من الاقتصاديين الأمريكيين إلى أن المشكلة المالية العالمية الناجمة عن أزمة الرهن العقاري ما هي إلا نتيجة مباشرة نشأت بفعل عدم مسؤولية وكفاءة الكونجرس الأمريكي. وكما قال الخبير الاقتصادي والكاتب الأمريكي ريتشارد دبليو ران «إنه لكي يتم فهم كيفية قيام الكونجرس بهذا العمل، دعونا نبدأ بالأمور الأساسية. فعلى مدى كثير من السنوات الماضية، كانت البنوك والمؤسسات المالية الأخرى التي تقدم الرهون حريصة على أن تتأكد من أن الممتلكات العقارية التي يتم رهنها غير مبالغ فيها، وأن يكون للمقترض سجل سابق من الحساب الائتماني الجيد، ودخل كاف للقيام بمدفوعات الرهن دون وجود عراقيل مخيبة للآمال، باعتبار أن أصحاب البنوك لا يريدون أن تضيع أموالهم أو أن تضيع أموال مودعي بنوكهم». نستنبط مما ذكر ثلاثة أمور هامة .. لنضع أيدينا على أسباب أزمة الرهن العقاري الأمريكي: 1) المغالاه في أسعار الممتلكات العقارية المرهونة. 2) عدم وجود سجل ائتماني جيد للكثير من العملاء. 3) دخل معظم المقترضين لا يتناسب مع قسط الرهن العقاري. وهي محاور تتفق نظريا مع بعض البنود التحفظية الهامة التي وضعتها مؤسسة النقد مؤخرا، إلا أن الأمر مازال نظريا فقط والولايات المتحدة كانت تملك مجموعة من البنود الصارمة لنجاح هذا المشروع الكبير ومن خلال مرئيات الخبير الاقتصادي الأمريكي ريتشارد دبليو بحديثه فإن التجربة الأمريكية في الرهن العقاري كانت ملتزمة في السابق بالتدقيق في هذه التفاصيل حيث أصبحت المؤسسات المالية أكثر تخصصا ومع توسيع الملكية الإسكانية من خلال إشراك الحكومة. فقد قاموا بإنشاء «الجمعية الفيدرالية للرهن العقاري الوطني» والمعروفة بشكل أكثر شيوعا باسم مؤسسة «فاني ماي»، بغرض شراء الرهون من البنوك كما كانت تفعل الشركات الخاصة، ولكن باستخدام دولارات دافعي الضرائب. أما البنوك التي كانت جيدة في إصدار الرهون فقد حبذت هذا الترتيب لأنه وفر لها سوقا جاهزة تتم به إعادة بيع الرهون مع الحصول على الربح. وكما كان متوقعا، فقد هبطت مستويات ومعايير الائتمان على مدى السنوات لأن أولئك الذين قاموا بتسيير أمور مؤسسة «فاني ماي» لم يستخدموا أموالهم الخاصة بهم بل استخدموا أموال دافعي الضرائب وكانوا قادرين على تبرير سلوكهم بشكل متزايد على أساس أنهم يعملون «عملا اجتماعيا صالحا» بفعل تيسير الأمور على الناس لكي يشتروا منازل ولم يكن هؤلاء الناس في واقع الأمر يتمتعون بمصداقية ائتمانية كافية. وقد قام بنك الاحتياطي الفيدرالي بعرض مقادير من الأموال غير محددة فعليا على البنوك بأسعار فائدة بلغت في بعض الأحيان حتى دون التضخم، وهكذا، فقد تم دعم الرخاء الإسكاني بشكل مصطنع بفعل إصدار ما نسبته 100 في المئة من الرهون إلى مقترضين لا يتمتعون بمصداقية ائتمانية. وبإمكان البنوك التي قامت بإصدار الرهون أن تقوم بعرض بيع خداعي لهذه الرهون العقارية شبه الممتازة على مؤسستي «فريدي ماك» و«فاني ماي» اللتين ستقومان بوضعها في «مجمعات» من الرهون العقارية، وهي التي، بدورها، سوف تباع إلى صناديق استثمارية وإلى عامة الجمهور باعتبارها استثمارات «رفيعة الدرجة» تتميز بأدنى حد من المخاطر المالية. إنها عبارة عن لعبة «كراس» موسيقية يحصل بموجبها المشاركون في عمليات السوق بشكل ضمني على أموال دافعي الضرائب المدعومة بالإعانات، وطالما توفرت لديهم القدرة على تمرير المخاطر بسرعة إلى اللاعب التالي قبل أن يحدث التقصير النهائي والمحتوم في السداد، فإنهم سوف يظهرون كرابحين. ومما سبق يتعين على مؤسسة النقد أن تدرك أن أي تسهيلات ستقدمها البنوك أو الشركات للمواطن دون الالتزام الكامل بتفاصيل ائتمانية جيدة تعكس قدرة المواطن على تسديد القسط المستحق عليه قد تقودنا إلى أزمة عقارية كبيره ربما تؤثر على اقتصادنا الوطني خصوصا وأن معظم المواطنين الذين يحتاجون لسكن ليس لديهم تصنيف ائتماني جيد نتيجة ما حدث في أزمة السوق السعودي عام 2006م. وبالرغم من الحاجة الملحة للحصول على المسكن إلا أنه لا يجب التساهل في تطبيق شروط الإقراض مراعاة مصالح الناس على غرار ماحدث في أزمة الرهن العقاري الأمريكي.