أشار تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي الاثنين الماضي إلى أن السياسات المالية التوسعية في بلدان الخليج ساعدت على مواجهة الأزمة المالية العالمية، لكنها بحاجة إلى زيادة سياسات التحفيز المالي، والحد من الإنفاق الحكومي في الفترة المقبلة، كما أشار التقرير حول التوقعات الاقتصادية والتحديات السياسية في منطقة دول الخليج، ومنطقة الشرق الأوسط إلى أن البلدان العربية المصدرة للنفط يجب أن تخطط للحد من الارتفاع في الإنفاق الحكومي حتى لا تتحول فوائض الميزانيات إلى عجز بحلول عام 2017 . بدون أدنى شك أن تقريرا بهذه النظرة التشاؤمية صادر من مؤسسة دولية ذات حيادية إلى حد كبير، يستوجب أن يؤخذ على محمل الجد. فالمتابع للسياسة النقدية و المالية السعودية في السنوات الأربع الماضية يلاحظ أنها سياسة توسعية. فالإنفاق الحكومي مستمر بشكل متنام. كما أن أسعار الفائدة منخفضة، ولم يتم زيادتها، أضف إلى ذلك تخفيض الاحتياطي النظامي؛ مما أعطى مرونة أكبر للبنوك لمنح القروض . الأمر الإيجابي أنه في ظل هذه السياسات النقدية والمالية التوسعية فإن معدل التضخم (معدل ارتفاع تكاليف المعيشة ) خلال فترة السنوات الخمس الماضية كان 5.6 في المائة. وهو رقم مقبول جدا قياسا بحجم الإنفاق الحكومي، وعرض النقود، ولعل من أهم نقاط التقرير أنه أشار إلى أن الإنفاق الحكومي المرتفع قد تكون له آثار سلبية مستقبلية على ميزانية الدولة، ومن هنا تبرز أهمية الحد من هذا الإنفاق دون الإضرار بوتيرة التنمية، وهذه معادلة صعبة ولعل الخصخصة في أسلوب البناء والتشغيل للمشاريع الحكومية الضخمة، وخصوصا مشاريع البنيه التحتية والخدماتية تخفف من حجم الإنفاق، والأهم من ذلك أن نفكر جديا بتنويع مصادر الدخل فربط الأجيال القادمة بمادة قابلة للنضوب وهي النقط يمثل مخاطرة. وهذا ما أكده التقرير عندما أشار إلى أن تدهورا كبيرا في الاقتصاد العالمي يمكن أن يأتي بتطورات شبيهة بما مرت به المنطقة خلال عام 2009 مع انخفاض حاد في أسعار النفط، وانخفاض تدفقات رأس المال. وتوقع التقرير أن تنخفض أسعار النفط بنحو 30 دولارا خلال عام 2013، وأن يستمر الانخفاض على المدى المتوسط. لذا، أحوج مانكون إليه الآن أن ندشن خطة استراتيجية لتنمية وتنويع مصادر الدخل لتحول الاقتصاد من ريعي إلى اقتصاد صناعي ومنتج ونضع الآليات المناسبة لتحقيقها. وفي تقديري المسؤولية تقع على عاتق المجلس الاقتصادي الأعلي لتبنيها مع إشراك القطاع الخاص في رسمها عبر ورش عمل وعصف ذهني هدفه الاستفادة من المرحلة الحالية لحماية الأجيال القادمة. فالزرع في الأوقات الجيدة يجعلنا نجني في الأوقات العصيبة. رئيس مركز ارك للدراسات والاستشارات [email protected]