كلما كان الفرد أكثر استقلالية وغادر عقل القطيع الذي أفرزته الاحتجاجات زاد الهجوم عليه من قادة القطيع ونهشه لهم، والتفرقة بين القادة والفرد المستقل بحاجة إلى توضيح. الفرد المستقل يتحيز للقيمة، ويكون موضوعيا في طرحه، ويستخدم عقله لمعرفة الصواب وفهم واقعه. أما القائد الذي يعشقه القطيع فيكون محترفا في خطابه فهو يبحث عن زعامة لذا يحول طاقته العقلية إلى طاقة لتزييف عقول الآخرين ليخلق تبعية. أما الفرد الحر المستقل حتى وإن كانت له تحيزاته عادة ما يكون نقيا يهتم لأمر الناس، ولا ينسى نصيبه من الدنيا، ويكون واضحا في الدفاع عن مصالحه، وعادة ما يكون صريحا فهو يهتم بالتنوير لا بالتجهيل. والقائد سواء كان كاتبا أو صحفيا أو سياسيا أو داعية لفكرة ما، يعمل بكل طاقته ليقنع القطيع أنه الأنقى، وأن لا هدف له إلا التضحية والعطاء من أجل الشعب. فيندمج بالقيم التي يدافع عنها بتقنيات معينة، ثم يشوه صورة الخصوم، وهو في حقيقة الأمر ينطق عن واقع الحال، مهموم بذاته ويكره حتى القطيع الذي يتبعه لأن ذلك مصدر قوته، ويسعى لمراكمة قوته لتحقيق غاياته المرتبطة بذاته. الفرد الحر المستقل إنسان متميز، ويعاني من استقرار نفسي، ولا تؤثر عليه الغوغائيات بشتى أنواعها ولكنه لا يرفض خيارات الآخرين، أما القادة الغوغائيون فعادة ما يعانون من مشكلات نفسية يعالجونها من خلال البحث عن الطهارة؛ لذا فهم مركزون كليا على التحكم بالقطيع لأنه جزء من معالجة تناقضاتهم. وعادة ما يعاني القائد من مرض الغيرة ممن يناقض فكرته، أو يظهر أمامه أنه أفضل منه فتتحول عقد النقص تجاه نفسه إلى نزعة تدميرية للآخر. وعادة ما يشعر القائد الغوغائي بالراحة مع نفسه كلما أعلى من شأنه القطيع لذا يخاف على وضعه إذا انتقده شخص مؤثر على القطيع، أو شخص يكشف أسراره.