في ذات حقبة، قال الأستاذ محمد حسن عواد «يجب أن نتعلم كيف نتعلم، وأن نتعلم كيف نتعايش».. كيف نتعايش مع الحدث، أي حدث بحيث لا نخرج عن سياقه خاصة في المجال الرياضي، ذلك لأن هذا الحراك لعبة مستمرة طوال حياتك، وإذا جعلت مع كل لقاء أزمة حتى لو كانت مفتعلة لأصبحت أسير أزمات. وما يميز اللقاء الثاني -هذا المساء- بين قطبي جدة في الاستحقاق الآسيوي هو انخفاض الصخب والتشنج الذي مورس حد العناد المتبادل في اللقاء الأول.. بوادر اللقاء الثاني اجترعها «صخب خجول»، ولا أعلم إذا كانت نتيجة اللقاء الأول هي التي زادت ضبابية الموقف أم هو قدسية الأيام (مناسبة الحج) أو قد تكون الإجازة وسحرها على المدرجيْن. الليلة (عيد) للمدرج المجنون فهم المضيفون وأصحاب الأرض، وحين يتسيدون المكان يصبح للعيد نكهة خاصة لا يجاريهم فيها أحد؛ هم نموذج للتجديد من الإبداعات وأهل لها، فالمجانين أصبحوا قبلة الأنظار، يصنعون نجاح الفريق والشواهد كثيرة، والليلة سنستمتع بسيناريو من شلالات الإبداع. أحاول جاهدا الهروب من تفاصيل اللقاء، ذاك لأنني ما زلت أؤمن بأن اللقاء هو نتاج معطيات آنية داخل الملعب قد تعطي فريقا دون آخر شيئا من الحظ، لكنني لا أتصور أنها ستكون بعيدة عن أصحاب الدار فهم أصحاب واجب، إكرام ضيفهم جزء من تقاليد راسخة تسير أخلاقيات سكان القلعة، فالإنسان إذا استهوته القوة قادر على تشكيلها كيفما شاء بل توجيهها الاتجاه الذي يريده. الأجمل في المدرج المجنون وفرقته أنه كلما تعمقت القوة وشاطرها (الإبداع) ترسخت الذات في سبر أعماقه اللانهائية.. في الإبداع ذاته حتى يصبح مدينة جمال، لذلك حينما ترى تعايش روائع الجمال يصبح كل من حولك (حديقة طمأنينة) لترى ما بداخلك فالظاهر سر الباطن، لذا فسيرته وصفاته (الخلاقة) تأسرك كونه قادرا على التحول، رغم معاكسة الظروف. أكرر: هروبا بعيدا عن دقائق وتفاصيل اللقاء؛ لأن نزالات (الأهلي والاتحاد) عادة ما تكون عكس ما تتوقع، بل هي الاستثناء دائما، فكل المؤشرات انطباعية أكثر منها صادقة مهما كانت قوة هذه المؤشرات. الليلة هي جولة الحسم، إذ لم يقدم أو يؤخر النزال الأول ونتيجته في عنوان المسابقة، فالاتحاد لم يكن التقدم بهدف تميزا له، فكيف بالأهلي المتأخر.. في مثل هذه النزالات هكذا نتائج يكون تأثرها أكثر من تأثيرها. وهو ما يجعل نزال الليلة مصيريا، فيه من الإمتاع أكثر من سابقه الذي كان فقيرا فنيا، هذا الإمتاع والإثارة مردهما لطموح الفريقين لهكذا مجد آسيوي يرى فيه الأهلاويون حلما بدأوه واقعا لكن الزمان والظروف رمته بعيدا عن هذا الطريق، فيما ارتوى فيه الاتحاديون حد الإشباع.. لكنه يتلهف للمزيد. ما ميز اللقاء الأول هو روح عالية تلبست أجساد الفريقين، وإن كنت لا أتفق مع من وصفها بهدوء العاصفة على اعتبار أن هناك نزالا آخر يستوجب المشاركة فيه وستكون كل الأسلحة حاضرة للاستخدام، كما وصف بأنه هدوء مكبوت لاستخدامه في نزالٍ آخر.. لقد قلت في طرح سابق قبل اللقاء الأول إن آسيا كلها ستنظر لقطبي جدة فكونوا (عنوانا لبلدكم) أعيدوا هذه الأمنية لنتفرغ لاستمتاع يشبع نهمنا الرياضي.