مع احترامي لجميع الأطروحات، والمقالات، والحوارات الإعلامية التي تتحدث عن ضرورة تنمية هواية القراءة في المجتمع العربي، والتي تتفاءل كثيرا بمصير الكتاب المستقبلي بعد تحوله من الصيغة الورقية إلى صيغة إلكترونية خفيفة يمكن لأي قارئ حملها بين ملفات هاتفه الذكي، إلا أنها جميعا غفلت عن سبب رئيسي من أهم أسباب أزمة القراءة في وعصرنا الراهن، وهو طبيعة الحياة الحديثة التي تضطر الإنسان للركض اللاهث وراء السويعات كي يحشر بين دقائقها أكوام مشاغله والتزاماته المهنية والأسرية حشرا دون توقف. يستيقظ فجرا ليركض إلى عمله الذي يقضي فيه وقتا يمتص طاقته وإحساسه بإنسانيته ساعات طويلة، في بيئات عمل تكاد تحول أي شخص هادئ سوي النفس إلى عصابي أو مجنون! ثم يخرج مترنحا من الإجهاد ليخوض معمعة زحام السير وما يحتاجه من تركيز كبير، وما إن يصل إلى بيته حتى يواجه قدرا لا بأس به من الالتزامات الأسرية التي تحتاج لاهتمام عاجل، وسرعان ما تغرب الشمس ليجد طاقته الذهنية والجسدية قد استنفدت رمقها الأخير، فيتهاوى على فراشه حتى فجر اليوم التالي لتتكرر حكاية يوم أمس. أما إذا استيقظ صباح عطلة نهاية الأسبوع فسيكون بانتظاره أعباء والتزامات أخرى لم تسمح ساعات العمل الطويلة خلال أيام الأسبوع بإنجازها، وهكذا تنزلق أيام الحياة من بين يديه دون أن يجد بصره فرصة لمعانقة سطور كتاب، وحتى إن اختلس لأجل ذلك دقائق من أوقات راحته أو علاقاته المجتمعية فلن يسمح له الإجهاد الذهني والجسدي الشديد باستيعاب ما على السطور؛ فضلا عن إدراك الخافي بين حروفها. هذه العوامل تجعل الكتاب يخسر المنافسة في سباقه مع وسائل الترفيه الاستهلاكي السهل، غير المجهد ذهنيا؛ كالتلفاز، والإنترنت، وغيرهما. للتواصل عبر تويتر: Twitter @zainabahrani