استهل المؤلف العراقي الدكتور علي ناصر كنانة مقدمة كتابه «المنفى الشعري العراقي .. انطولوجيا تاريخية للشعراء العراقيين في المنفى» بالتفرقة بين ما يسميه الشعور بالاغتراب داخل الوطن وبين المنفى وما ينتج عنه من شعور بالغربة في الخارج، وقال: «حيثما وجد الناس استبد ببعضهم الشعور بالاغتراب في الزحام أو حاصرت بعضا آخر فكرة الذهاب إلى المنفى. في الحالين اغتراب وفي الحالين منفى. ومنعا لأي لبس في المفاهيم أجد من الضروري التأكيد على التمييز بين الاغتراب أي الشعور بالغربة داخل الوطن وبين المنفى وما يتبعه من شعور بالغربة خارج الوطن»، مشيرا إلى أن العراق بالنسبة للعراقيين ليس محصورا بكيان الدولة الحديثة كما يروق للبعض القول بهذا التحديد وإنما هو هذه البقعة من الأرض في وادي الرافدين التي قامت فيها الحضارات الكبرى وكانت عراقا يفخر أبناؤه بالانتماء إليه، وأضاف أن مفهوم المنفى في كتابه يدل على ارتباط الاضطرار إلى المنفى بالاضطهاد السياسي. وقال كنانة في كتابه المؤلف من 207 صفحات متوسطة القطع «بعض الظروف التاريحية تملي على عدد من مثقفي وكتاب الأمة البارزين أن يبحثوا عن حرية شخصية بقدر ما يبحثون عن حرية فنية كما كانت الحال في األمانيا قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية»، وأضاف : «ولكن أية إقامة أخرى خارج الوطن مستندة إلى أسباب ودواع أخرى تعتبر هجرة وأدبها أدب مهجر كما هي الحال بالنسبة لجبران خليل جبران وإيليا أبي ماضي وميخائيل نعيمة. والفرق بين المنفى والمهجر كالفرق بين الوجع والترف»، ورأى أن أدب المنفى يحاول تغذية الذاكرة الجماعية وثقافة الأفراد الذين يجدون أنفسهم مشردين خارج أوطانهم، وحول محتوى الكتاب قال: «يتضمن الكتاب جهدا تاريخيا شبه توثيقي قمت به عام 2006 بغية تحرير انطولوجيا للشعراء العراقيين في المنفى عبر رموز معروفة لأن النزوحين الكبيرين خلال فترة الحصار 1991 2002 وبعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 صعب من مهمة حصر جميع الاسماء»، ورأى أنه يمكن تقسيم هجرة الشعراء العراقيين إلى المنفى إلى عدة مراحل؛ الهجرات الأولى أبو الطيب المتنبي إلى مصر وأبو زريق البغدادي إلى أسبانيا. هجرات مبكرة عبدالمحسن الكاظمي إلى القاهرة وأحمد الصافي النجفي إلى دمشق. هجرة الستينات محمد مهدي الجواهري إلى براج وسعدي يوسف إلى الجزائر. هجرة أواخر السبعينات الشعراء اليساريون إلى البلدان الاشتراكية وبعض الدول العربية وخصوصا سورية واليمن ودول الخليج. هجرة الثمانينات تداعيات الحرب العراقية الإيرانية إلى إيران ثم سورية ثم أوروبا الغربية. هجرة التسعينات تداعيات حرب الكويت وفترة الحصار على العراق، هجرة الى جميع أصقاع الأرض، هجرة ما بعد 2003 تداعيات مرحلة الاحتلال، هجرة إلى البلدان العربية خصوصا الأردن وسورية والإمارات وبعض الدول الغربية.