الفايروس هو نوع من الكائنات المسببة للمرض وقد يشكل بعضها خطرا على حياة الإنسان، وهي تقتحم الخلايا البشرية بعدة طرق كالأكل والشرب والدم الملوث والعدوى وغيرها مما لا مجال لذكره الآن. وعندما يدخل الفايروس جسم الإنسان فإن الجهاز المناعي يحاول التصدي له، فإن كان الجهاز المناعي قويا يبقى الفايروس بالجسم ولكنه لا يؤثر فيه أو في وظائفه الحيوية، أما لو كان الجهاز المناعي ضعيفا فإن الفايروس يدخل الخلية ويحاول التوحد معها، وبالتالي يصبح الفايروس نشطا وتظهر على الإنسان أعراض المرض. وفي علم الطب نادرا ما تصيب الفايروسات القلب البشري، ولكن في واقع الأمر يعد القلب مأوى للعديد من الفايروسات السلوكية التي تصيب البشر، فالرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم يقول «... ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب».. فالقلب هو موطن الأمراض السلوكية، وجميع التصرفات السلوكية المحرمة هي فايروسات تصيب قلب الإنسان، أما جهاز المناعة ضد هذه الفيروسات هو درجة الإيمان بالله والخوف من عقابه، فكلما كان الإنسان مؤمنا بالله خائفا من عقابه كلما كان قلبه أقرب للطهارة وبعيدا عن السلوكيات الخبيثة، والعكس صحيح قطعا. ربما ما دفعني لكتابة هذه المقدمة الموجزة والمبسطة هو محاولة مني لطرح إجابة على تساؤل لدى الكثير من العامة عن تغيرات جذرية تحدث في سلوكيات بعض الأشخاص وبدرجة كبيرة عند حصولهم على ثروات فجائية أو توليهم بعض المناصب الرفيعة: لماذا يبدو هذا الشخص كما لو أصبح إنسانا مختلفا تماما؟، لماذا تظهر عليه نزعات الشر مثل التكبر والنرجسية والأنانية أو الاستهانة بالآخرين والتطاول على حقوقهم؟، وكأنهم يتحولون بين يوم وليلة إلى كائنات لا تراعي المشاعر ولا تكاد تكترث بوجود الآخرين أصلا!. هناك الكثير من الأشخاص تتوافر فيهم نزعة الشر، وهم مهيؤون لها داخليا، بيد أن المناخ الخارجي سواء كان اجتماعيا أو إداريا قد لا يساعدهم على الإفصاح عن هذا الشر المختزن بداخلهم، لذلك فهم يحملون الفايروسات في قلوبهم التي تكون في حالة تأهب لانتهاز الفرصة المواتية لتتحول إلى فايروسات فاعلة تصيب سلوكيات حاملها. وعندما يتغير المناخ الخارجي لهم كأن يرث بعضهم المال أو يتم تعيينه في منصب رفيع، فإن هذه الفايروسات تنشط وتبدأ عليهم أعراض المرض السابق ذكرها.. ولعل النشأة البيئية هي أولى المحطات المهمة المسببة لتواجد الفايروسات في قلب شخص ما، كأن ينشأ في بيئة عائلية غير سوية، تعوده على الغطرسة والتعالي، أو أن يكون قد عانى من الحرمان أو افتقد الشعور باحترام الآخرين له، وغيرها من أسباب يطول ذكرها الآن. لا شك أن تقوية الجهاز المناعي لدى الإنسان لمواجهة مغريات الحياة لا يعتمد فقط على شعارات النبل والأخلاق التي يسمعها أو تتردد حوله، فهي وحدها لا تستطيع المقاومة، بل يعتمد على غرس روح الإيمان في النفوس، كما يعتمد على الثقة في الله والتوكل عليه والتسليم بالقضاء والقدر، وأيضا على عنصر التربية الذي يتم غرسه مع الطفل؛ التربية التي تعود الطفل على القناعة والزهد والإيمان، تحببه في الحلال وتكرهه في كل حرام، تعلمه أن يفرق بين المظهر والجوهر.. هناك الكثير من حولنا ممن يحمل «فايروس القلوب»، سواء ظهرت عليهم أعراض الشر أو ظلت كامنة داخلهم في انتظار اللحظة المواتية، وهذه ليست دعوة لفرض سوء النية أو الشك في الآخرين، فالخير باق في أمة محمد إلى يوم القيامة، والتوازن في العلاقات الإنسانية مطلوب وذلك من خلال احترام الآخرين وفي الوقت نفسه التعامل بحذر مع من لا نعرفهم جيدا، فليس كل من يبتسم ودودا، وليس كل أنيق طاهر القلب، إنما هي دعوة للتيقظ وشحذ الوعي والإدراك، فالعالم يموج من حولنا بالدسائس والفتن والشرور، ولتجنب الوقوع في حبائل شرور الآخرين أو التعلق بخيوطهم المهترئة هو أن نفهم الواقع جيدا، ونتسلح بالفطنة والكياسة لكي نفهم ما يدور بين السطور وما يعتلج بالصدور دون أن تبوح به، فالمؤمن كيس حذر فطن، والحكمة العربية الخالدة تقول « من مأمنه يؤتى الحذِر ». twitter.com/mufti_dr