تعتبر الانتخابات الأمريكية من أكثر الانتخابات تعقيدا، فالرئيسان أوباما ورومني لم يكن متصورا أن يدخلا الانتخابات قبل 11 سبتمبر، فالأول من أصول أفريقية، والثاني من مذهب المورمن، فقد كانت الرئاسة محتكرة في الماضي للبروتستانت، ولم يشذ عن القاعدة سوى جون كندي الكاثوليكي، أما الرؤساء فغالبا ما كانوا من أصول أيرلندية. إن ما أثر في تغيير التوازن هو أحداث 11 سبتمبر، فرأت الولاياتالمتحدة أنها في خطر، لأن مكامن الضعف تتمثل في عاملين، هما: الأقليات التي قد تمزق أمريكا، والضرائب التي قد تفجر الأوضاع فيها. لهذا بدأ التغيير في أمريكا، فتهيأت الأمور لرئيس من أصول إفريقية، وذلك من خلال أربعة أفلام نشرت بعد 11 سبتمبر تظهر رئيسا أفريقيا لأمريكا، وبذلك هيأ الإعلام المجتمع الأمريكي لتقبل رئيس من أصول أفريقية، لكن الضرائب تظل موضع اهتمام كبير. وفي يوم الأحد 2/9/2012م نشرت الواشنطن بوست تقريرا قالت فيه إن الانتخابات سوف تحدد الملامح الاستراتيجية القادمة للبيت الأبيض، والموقف الأمريكي حيال الهجوم على إيران، وتخفيض الأسلحة النووية بين أمريكا وروسيا، ودعم الثوار في سوريا بالسلاح والمال، ومصداقية الانسحاب من أفغانستان، والضغط على إسرائيل من أجل السلام. إن هذه الإشارة تدل على أن الأهداف الاستراتيجية الأمريكية تختلف عن الأهداف السياسية، فمنذ أربع سنوات كنت في مؤتمر دولي في أنطاليا، وكنا في زيارة إلى أفيسوس وهي إحدى المدن الأثرية بتركيا، شاهدنا قصر الإمبراطور والطريق التجاري ومساكن التجار والقادة والعوام. وفي القصر شاهدت تمثالا، فسألت المرشد: هل هذا للإمبراطور؟ قال: لا، الجسم ثابت، أما الرأس فكلما جاء إمبراطور غيروا الرأس. عندها أدركت أن الأهداف الاستراتيجية تظل ثابتة، أما الأغراض السياسية فهي التي تتغير بتغير الإمبراطور والرؤساء، فالرئيس الأمريكي لا يغير الأهداف الاستراتيجية، لكنه يتعامل مع الأهداف السياسية التي تحقق الأهداف الاستراتيجية. وهكذا نرى الانتخابات الأمريكية لا تخوض في الأهداف الاستراتيجية بل تتعامل مع الأغراض السياسية، فالذي لا يعرف أهداف أمريكا الاستراتيجية لن يتوصل إلى معرفة السياسة الأمريكية القادمة ولا من سيفوز فيها.