أكد المشاركون في ندوة (عطاء ووفاء) التي أقيمت البارحة في نادي أدبي جدة أن الكاتب والإعلامي الراحل محمد صلاح الدين الدندراوي رجل جمع بين المهنية والإنسانية، والأخلاق والسياسة. واستحضر المشاركون وهم كل من الكاتب والإعلامي عبدالله خياط، الدكتور سهيل قاضي، ورئيس تحرير عكاظ الدكتور هاشم عبده هاشم حياة الراحل في مجالات الصحافة، الكتابة، النشر والإعلان، واصفين الراحل بأنه امتاز بجملة من الصفات ومنها العمل بصمت والانضباط. وتطرقوا في الندوة التي أدارها مدير تحرير صحيفة المدينة فهد الشريف إلى حرفيته ومهنيته وما امتاز به من صدق الكلمة وسلاسة الفكر، كما وصفوه بعملاق الصحافة، مبينين أنه الرجل الذي يعرف كل شيء ولا يتحدث في أي شيء. وقال عبدالله خياط في كلمته التي ألقاها البارحة إن الراحل رحمه الله بألف رجل في مضمار الإبداع بالقلم كاتبا وأديبا، لافتا الى أن معرفته بمحمد صلاح الدين عن قرب وسفره معه إلى بلدان عدة جعلته يكتشف صفات كريمة تحلى بها الراحل، وما تمتع به من الخلق والسلوك والصبر على الأذى. وتطرق إلى أنه كان يحسب له ألف حساب جراء مهنيته وأسلوبه وخبرته في ذات المجال، كما كان واسع الثقافة، ومحبته تسع الجميع، فضلا عن عطفه على الفقراء والمساكين وزملاء عمله، محاولا فك الكربات. صمته الناطق ونوه خياط إلى أن الكثير كانوا يتعجبون لصمته الناطق، إذ هو هادئ الطباع يبث شجونه عبر عموده الشهير الفلك يدور الذي تميزت كتاباته تحت هذه الزاوية بقوة الأسلوب. وتطرق إلى مجال عمل الدندراوي رحمه الله في المكتبات والمجال الإعلاني والإعلامي فأنتج مجلات متخصصة، كما حاول إصدار تكشيف موسع لكل ما ينشر في الصحافة السعودية، مستفيدا بذلك من التقنية، كما عمل في مجال الملاحة البحرية، قائلا: خبرة الرجل في المجالين الإعلامي والبحري عريضة. وتطرق إلى جملة من القصص عن حياته مع الراحل كإصدارهما نشرة باللغة الإنجليزية تهم رجال السفارات، وموقف كريم تجاه أمر حدث بشأن النشرة وسرعة تصرفه، وقال إن القدرة على الإنتاج لا تواتي إلا ذوي الهمم العالية. وتذكر خياط وفاة الراحل رحمه الله الذي وافته المنية في مدينة جدة من العام الماضي قبيل عيد الفطر المبارك. من جانبه، أشار الدكتور سهيل قاضي مدير جامعة أم القرى سابقا، إلى القضايا التي اهتم الراحل بها ودافع عنها كهيئة الإغاثة الإسلامية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما نافح عن القضية الفلسطينية. قصص إنسانية وسلط قاضي الضوء على الجانب الإنساني والاجتماعي في حياة الراحل، مشيرا إلى اهتمامه بالمسؤولية الاجتماعية وحرصه على ترسيخ هذا المفهوم، إذ كان يدعو الجهات المختلفة دائما إلى المبادرة في دعم هذا الجانب. وأضاف «رسخ الراحل رحمه الله دور المؤسسات الثقافية التي تحافظ على هوية الأمة، وكان مداوما على الكتابة لصالح منظمة التعاون الإسلامي، إضافة إلى مجمع الفقه الإسلامي، كما أن له أصدقاء مسلمين من مختلف دول العالم وكان على علاقة قوية بالعلماء». كما استحضر الدكتور سهيل بعض القصص الإنسانية من حياة الراحل وقال إنه كان لا يحقد على أحد كما امتاز بالاستماع الجيد وقلة الكلام، واشتهر بكلمة حاضر أمام أي طلب، كما كان مبادرا إلى الخيرات ووفيا بالوعد، إذ امتاز بالإيثار. المهنية والقيم إلى ذلك، سلط الدكتور هاشم عبده هاشم الضوء على حياة الراحل المهنية وتجربته معه في المجال الإعلامي، وما تمتع الراحل به من قيم أخلاقية ومهنية، مشيرا إلى أنه استقى علوم الصحافة وخبرته من الراحل قائلا «تعلمنا منه ماذا تعني كلمة الصحافة، وماذا يعني القارئ والهم الاجتماعي، وماذا ينبغي للصحيفة أن تقدم في اليوم التالي للقارئ». وذكر أن الراحل أسس شركتين إعلانيتين، وأسس حركة النشر العلمي بمعناه الصحيح، واصفا إياه بأنه صحافي من الطراز الأول وخبير إعلامي وناشر متميز، مؤكدا أننا «بحاجة إلى إعادة كتابة تاريخ الصحافة المحلية». ووصف الراحل بأنه يمثل الجيل الرابع من الصحفيين، وأن من جاء بعدهم يسيرون على نهجهم. وقال: كان الراحل يستعين ببعض الأقلام المتميزة، إذ امتازت صحيفة المدينة -في ذلك الوقت الذي عمل فيها مع الراحل- بالشفافية والمنهجية والريادة، نظير جهود العاملين بها كأمثال الراحل في تلك المرحلة. واستطرد الدكتور هاشم قائلا «تعلمنا منه الكثير كطريقة كتابة الخبر والاستطلاع والتحقيق، كما علمنا كيف نكتب المقال الصحافي على أصوله لا الأدبي أو الخاطرة». وأضاف الدكتور هاشم: لم يكن الراحل خريج معهد أو كلية إعلامية بل كان مثقفا حقا. وبين أنه كان صاحب فكر ورؤية وسياسة وهذا أعطاه قدرة على التميز في عمله المهني. وذكر أن مدرسة الراحل في الصحافة مميزة رغم عدم انخراطه في مدرسة تعلم هذه المنهجية، إذ تعلمنا منه كيف نبني المصادر ونحافظ عليها وطريقة مخاطبة القارئ البعيدة عن استفزازه. وتابع: فتح الراحل أذهاننا على جوانب كثيرة وكيف نتعامل مع المشكلات وكيف نقابل الرأي ونشكل رأينا. ومضى قائلا: أسهم في تكوين الثقة في نفوسنا. كما وصفه بالرجل الذي يعلم دون أن يشعرك بذلك، مشيرا إلى أنه الرجل المنظم والحازم رغم أدبه الجم ويشعر من يتعامل معه بأنه في مؤسسة غير متسلطة كما يدير عمله بحنكة، ويشعرك بأنك مسؤول وأمين على المسؤولية مع ممارسة العمل دون متابعة. وقال إنه كان يعمل 18 ساعة في اليوم نظير حبه لهذا المجال. ووصف حاله حين الكتابة قائلا: تشعر بأنه في حالة إغماء وكأنه يقطر دما مع كل حرف يكتبه. وفي سياق متصل، ألقى المتحدث الرسمي للنادي الدكتور عبدالإله جدع، كلمة بالنيابة عن الدكتور زين العابدين الركابي الذي كان من المقرر أن يشارك في الندوة، غير أنه غاب لظروف خاصة، وتحدث فيها عن إنسانية الرجل في تدينه وسلوكه وبره بوالدته وأشقائه. مداخلات الندوة شهدت مداخلات عدة بدأها الدكتور علي الغامدي الدبلوماسي السابق، وتلاه نائب رئيس التحرير محمد مختار الفال الذي أوضح أنه أدرك صحبته متأخرا منذ 25 عاما ووصفه بالرجل الذي يعلم من غير أن يشعرك بذلك. وأضاف: هو الشامخ المتواضع للصغير أكثر مما ينحني للكبير، وقد تعلمت منه أيضا أن العزة تنبع من القيم وأن الرزق بيد الخالق وأن الإنسان بأخلاقه ومبادئه. كما شهدت الندوة مداخلات أخرى لكل من الناقد حسين بافقيه، والدكتور يوسف العارف. من جانبه، أكد المتحدث الرسمي للنادي الدكتور عبدالإله جدع أن الاحتفاء بمحمد صلاح الدين الدندراوي البارحة في أدبي جدة يجيء إيمانا بأهمية عطائه ووفائه في مجال الصحافة والفكر والأدب، مشيرا إلى أن النادي سيجمع أوراق الندوة في كتاب. وقال: الحضور النوعي الذي شهده الملتقى دلالة على ما تمتع الرجل به من سيرة ومهنية عالية. ابنتا الراحل سارة وهلا ل «عكاظ»: والدنا تميز بالعطف والصدق والمهنية الإعلامية كان من أبرز الحاضرين ابنتا الراحل المذيعة في قناة العربية سارة الدندراوي وشقيقتها هلا الدندراوي إذ طلب من ابنته سارة المداخلة ولكنها اعتذرت لتأثرها برحيل والدها. وأوضحت ل «عكاظ» أن الندوة مكنتها من التعرف على جوانب من حياة أبيها لم تكن تعرفها في السابق وشكرت أدبي جدة على فكرة إنشاء كتاب يحوي تجاربه ويخلد ما دار في الندوة. ووصفت حياة أبيها بالهادئة فقالت: إن كثرة محبيه والمهتمين به خفف علينا ألم فراقه.. وشهدت الندوة أيضا تواجد ابنته هلا التي أكدت أن والدها تميز بالعطف والتربية وكل سمات الأبوة الحسنة، شاكرة أدبي جدة على الندوة والمشاركين الذين أسهموا في التعريف بحياة والدها.