عبر السنين الماضية وفي جميع المناسبات وجه لي سؤال واحد يتكرر كثيرا من الحضور وهو: متى آخذ هذا أو ذلك الدواء، هل قبل أو بعد الأكل ؟ وبما أن علاقة الغذاء بالدواء، ليس طرحا أكاديميا محله المجلات العلمية المتخصصة فقط، بل هو طرح عملي ذو أهمية تطبيقية وحساسية عالية، على مستوى التثقيف للطبيب وعامة الناس، ذلك أن التبعات السلبية لتفاعل الغذاء مع الدواء شائعة جدا في مجتمعنا، وتأثيراتها واضحة على احتمالات عدم، أو تأخير زوال البأس عن المريض. لذا قررت اليوم أن أضع بين يديكم شرحا مبسطا وشاملا للتفرقة بين الأدوية التي تؤخذ قبل أو بعد الأكل ولماذا. وحيث إن الموضوع مهم جدا لأن السلاح لجميع التخصصات باطنية كانت أم جراحية لا يستطيع أي طبيب أن يستغني عن الدواء. فهذه الكلمات ليس إلا نموذج وأمثال تعطي القراء فكرة عن أهمية الموضوع، ويجب على كل طبيب أن يثقف مريضه حتى لا يجد صعوبة في معرفة هذه الفروقات، فنبدأ على بركة الله. تتضمن المعايير المعتمدة في عام 1996م، للجنة المشتركة لمفوضية منظمات الرعاية الصحية في الولاياتالمتحدة JCAHO، الطلب من المستشفيات والعاملين فيها التأكد من أن المريض والطبيب تم تثقيفهما بالتفاعلات المحتملة بين الغذاء والدواء، والتعليمات الخاصة بكل دواء يصرفه الطبيب ويتناوله المريض. لا تقتصر تلك التفاعلات السلبية على الأدوية المهمة، بل تطال حتى التي لا ينظر إليها البعض بالأهمية اللازمة، كحبوب الفيتامينات أو المعادن أو مضادات الحموضة أو غيرها. صحيح أن بعض الأدوية تتحمل الطعام وإفرازات الجهاز الهضمي، إلا أن البعض الآخر منها قد يتفاعل مع ما في المعدة أو الأمعاء، مما قد يعيق امتصاصها أو يغير تركيبها، ولذا نجد بعضا منها علينا تناولها على معدة خالية، بينما لا علاقة للبعض الآخر منها بالطعام أو بإفرازات الجهاز الهضمي أو بأي أدوية يتناولها المرء معها في الوقت نفسه. أولا الأقراص المكسوة بغشاء معوي فجميعها صممت بهذا الشكل لكي يحدث تفكك للدواء داخل الأمعاء وليس داخل المعدة لأحد من السببين، للحفاظ على فعالية الدواء وعدم التأثير على نسبة امتصاصه أو لحماية المعدة من التأثير السلبي للدواء، فجميع الأدوية المكسوة بغشاء معوي تؤخذ قبل الأكل بنصف ساعة إلى ساعة ويجب كذلك عدم شرب اللبن أو الحليب عند أخذ هذه الأدوية لأنه يرفع من درجة حموضية المعدة ph وبالتالي تفكك الدواء داخلها ويبطل مفعوله. فيجب أيضا عمل فارق زمني بين هذا النوع من الأدوية (من ساعتين إلى 3 ساعات) وبين مضادات الحموضة الفيزيائية، مثل فوار الفواكه على سبيل المثال أو أي دواء يحتوي على الألومنيوم أو الماغنسيوم أو الصوديوم بايكاربونات. ومضادات الحموضة الكيميائية هي نوعان ما يسمي الإتش تو بلوكر H2 blockers مثل الراناتيدين Ranitidine ومضاد للحموضية وقرحة المعدة مثل الأموبيرازول Omerprazole كذلك لعلاج القرحة. ثانيا، مضادات حيويه تتأثر بدرجة حموضية المعدة مثل دواء الأمبيسلين ampicillin تؤخذ قبل الأكل بنصف ساعة أو بعد الأكل بساعتين.. أما جميع الفلوروكينولونز مثل ciprofloxacin يجب أن يوجد فارق ساعتين بينهم وبين أي دواء يحتوي على معادن مثل التي ذكرتها سلفا (أي منتجات الألبان).. أسأل الله التوفيق في إيصال العلم النافع عن ما قبل أو بعد الأكل. للتواصل (فاكس: 6079343)