بعد تناولي قضية ارتفاع الإيجارات على مدى حلقتين سابقتين، كان من المفترض أن انتقل إلى مناقشة قضية عقارية أخرى، لكن لفت نظري مؤخرا تقرير لشركة مزايا القابضة يشير إلى أن حجم الديون المتعثرة في السوق العقاري تبلغ أكثر من ملياري ريال في جدة وحدها، وهو ما يدعونا إلى التساؤل عن الأسباب الكامنة وراء هذا المعدل الكبير من التعثر في ظل الارتفاعات المستمرة للإيجارات وغياب أي آليات عادلة تضمن حقوق الطرفين. لقد تحركت وزارة الإسكان مؤخرا لاعتماد نظام «إيجار» الذي يهدف إلى ربط مكاتب الإيجار المختلفة بشبكة تقنية تضم قاعدة بيانات متكاملة عن المستأجرين وتاريخهم الائتماني ومدى الالتزام بالسداد. ومن الواضح أن هذا النظام يستهدف بالدرجة الأولى ضمان حقوق الملاك في ظل شكاوى متكررة من مماطلة بعض المستأجرين في السداد رغم ملاءتهم المالية الجيدة. وفي مقابل ذلك يتساءل البعض عن حقوق المستأجرين في ضمان دفع إيجار عادل وليس عشوائيا كما يرى المالك وحده، وذلك استنادا إلى رفع بعض الملاك إيجارات عقاراتهم القديمة دفعة واحدة بنسب تتراوح بين 30 – 40 في المائة. وفضلا عن ذلك يمضي هؤلاء المستأجرون في تساؤلاتهم عن الخدمات التي يحصلون عليها مقابل ما يدفعونه من مال في ظل غياب الصيانة وضعف النظافة وعدم وجود حارس يراعى شؤون العمارة في أحيان كثيرة، لتبقى مهمة المالك الرئيسية تحصيل الإيجار كل 6 شهور دون الاهتمام بالاستماع إلى أي شكوى. إن الوضع الراهن في سوق إيجارات المساكن ينبىء عن خلل واضح ومؤشرات على توتر مقبل ومستمر في العلاقة بين المالك الذي يرى أن من حقه فرض الإيجار الذي يريده، والمستأجر الذي يطالب بارتفاعات متدرجة في الإيجارات مثل بقية الدول وليس قفزات كما يحدث حاليا. وفي ظل هذا الكم الكبير من قضايا التعثر يبقى السؤال منطقيا هل يمكن للملاك العمل بنظام الإيجار الشهري لتخفيف المعاناة عن المستأجر محدود الدخل أم أن ذلك لن يروق لهم، ولماذا لا تتحرك وزارة الإسكان لتحديد نسب الارتفاع السنوي في الإيجارات بدلا من حالة الفوضى الراهنة في السوق، وذلك كما تحركت وزارة التجارة لإيقاف تصدير الدجاج والأسمنت والحديد حتى تهدأ الأسعار. إن الموضوعية تقتضي ضرورة الالتزام بمعايير العدالة، وأن لا يمتلك الطرف الأقوى كل شيء، فيما لا يملك الأضعف وهو المستأجر سوى الإذعان.. والله المستعان. * رئيس طائفة العقار في جدة.