عاد الدكتور يوسف العارف للكتابة عن التاريخ، بعد أن تفرغ أكثر من ربع قرن للنقد والشعر، وقدم للمجتمع الثقافي والتاريخي كتابه الجديد «في آفاق النص التاريخي» قراءات في الدرس التاريخي والمعاصر، والذي وقع في 440 صفحة من القطع المتوسط وأربعة فصول، ليقدم تطويرا وطرحا جديدا في الدرس التاريخي، بتأصيله لمنهجية جديدة في دراسة وقراءة وكتابة التاريخ تنطلق من الوعي بالتاريخ وقيمته وأهميته وضرورة التجديد في وسائل وآليات المثاقفة التاريخية، مستفيدين في ذلك من التداخل الكبير بين العلوم والمعارف التي تفرضها القرية الكونية الموحدة كما وصفها الكاتب في كتابه. ولعل ما يميز الدكتور يوسف في طرحه لهذا المنهج الجديد هو ارتباطه الوثيق بالثقافة والأدب والنقد، حتى خرجت مفرداته وجمله التراكبية بصبغة أدبية وثقافية جعلت من الكتاب أنموذجا لتأصيل التاريخ الجديد بفكر ثقافي وطرح أديب. لقد أسقط العارف مجموعة من المفردات الجديدة على الطرح التاريخي، قد يكون من الصعب تفسيرها عند قراءتها من الوهلة الأولى، إلا أنه أجاد في تبسيطها للقارئ والخروج بها من مأزق اللا مفهوم إلى الوضوح والبساطه، ولعل تلك الميزات ما تميز العارف عن غيره بكتاباته، سواء الأدبية أو الشعرية أو أخيرا التاريخية، وفسر تلك المفردات تارة نقلا من المعاجم اللغوية، وتارة من مفهومه الأدبي والتاريخي، ويتضح ذلك في تعريفه لكلمة «الفتق» وعرفه من المعاجم بمعنى الشق، وهو فصل البعض عن البعض، وبمعنى الإخصاب والانفراج واتساع المكان، وفتق الكلام قومه ونقحه، وحدد الكاتب مفهوما لهذا المصطلح النقدي الأصيل في منجز فكري وعلمي، معرفا التفتيق حسب مفهومه بأنه عملية ذهنية إبداعية إجرائية يقوم بها القارئ لاستنطاق النص من خلال آليات التحليل والتعليل والتفكيك وتقليب النص على احتمالاته المتعددة ضمن السياق المنبثق عنه النص وإعادة صياغته وفق رؤية شمولية متكاملة. وسرد المؤلف العديد من الشواهد والأمثلة للنظرية التاريخية، من أهمها استشهاده بمرحلة التأسيس في المملكة، كما سرد العديد من الشواهد الخليجية والعربية والعالمية، وأسهب الكاتب في تأكيده لتفتيق النص التاريخي باستشهاده واستعراضه لأزمة الخليج في السياق التاريخي، حيث برهن على المقاربة التاريخية بين غزو العراق للكويت وغزو إيطاليا لليبيا عام 1911ه، واتخذ المؤلف الأديب العربي محمد أحمد باكثير أنموذجا في جزئية تحولات النص الثابت التاريخي إلى المخيال الأدبي، وانتقل بعد ذلك لقراءة تاريخية في نص وثائقي وعنونه: الملك من المسألة الفلسطينية والتعرف على مواقف الولاياتالمتحدةالأمريكية من المسألة الفلسطينية واليهود والوقوف على مكائد الصهيونية واليهود واستمالتهم القيادة الأمريكية، إضافة إلى المحاولات الأمريكية للتأثير على المواقف المؤيدة لفلسطين، وأبرز فيها عدة محاور بالغة الأهمية، منها التعرف على مواقف الملك عبدالعزيز في سرد تلك الحقائق بمنهجية جديدة لقراءة التاريخ وتصنيفه. وأسهب الدكتور يوسف في الباب الثاني من الكتاب عن نظرية التدافع والتداول الحضاري وتطبيقاتها، مستشهدا بجازان والتحولات التاريخية وقراءته في جدلية التدافع والتوالي الحضاري، إضافة إلى توضيح مفهوم الثوابت والمتغيرات في العلاقات العثمانية البريطانية وقراءة جدلية التدافع والتداول الحضاري، وعرج الكاتب إلى سرد نصي تاريخي لآل سعود ونظرية الاستخلاف السياسي في المملكة العربية السعودية، مبرهنا على نجاح تلك السياسة في لم شمل الجزيرة العربية والارتقاء بها إلى أن أصبحت المملكة دولة مؤثرة في العالم ككل، كما قدم قراءات في آليات التداول والتوالي السياسي السعودي، وتناول الكاتب العرب والغرب في قراءة دينامية التعالق التاريخي، وفي الباب الثالث، وفي عدة محاور سردية تاريخية أدبية تناول الأدارسة وعسير في الدرس التاريخي، مستذكرا بعض المذكرات لكبار المؤرخين في المنطقة، إضافة إلى تقديمه لدراسات وثائقية لرجال ألمع، وقراءاته ما بين الشعر والتاريخ وتفصيله لبعض القصائد الوثائقية بأسلوب السرد التاريخي. وقدم في الفصل الرابع والأخير آفاقا وفضاءات تاريخيه بسرد احترافي عن تصحيح الأخطاء التاريخية والأسر العلمية في جازان، ولم ينس الكاتب الآثار والسياحة التاريخية، حيث كان لكتابه نصيب وافر، مؤرخا نجران، جزيرة فرسان، سكة حديد الحجاز، السعودية وفلسطين، السرقات العلمية، وشكيب أرسلان في الطائف. لقد نجح العارف في إخراج كتاب تاريخي بمفهوم الحداثة والمعاصرة الأدبية، ولعله نهج جديد نهجه الكاتب، ويسجل في سجل إنجازاته الفكرية والأدبية والثقافية.