تحولات عديدة شهدتها الساحة السورية الحبلى بالأحداث، والقصص المأساوية، والمجازر الدموية. وهذه الحادثة جاءت من القرداحة، مسقط رأس الأسد، إذ يجب أن لا يمر ما جرى في القرداحة من احتجاجات مرور الكرام لدلالاتها الهامة على المسرح السياسي والطائفي، وعلى ثورة الكرامة المجيدة في سورية. ما جرى في القرداحة «عاصمة العلويين» من احتجاجات واضطرابات، بين أسرة الأسد وأسرة علوية (عائلة الخير) والتي تعتبر من أبرز العائلات العلوية نظرا إلى مرجعيتها الدينية والثقافية. قد تكون مستغربة للوهلة الأولى بين أصدقاء الأمس، ولكنها لم تكن مستبعدة؛ لأن الظلم والقهر والاستبداد قد يستمر لفترة ما. ولكن لن يستطيع أن يستمر للأبد مهما طال الزمن. خصوصا أن هذه الاشتباكات حدثت بين عائلات لها جذور ضاربة وعتيدة مع بيت الأسد، وتعتبر الأولى من نوعها منذ اندلاع الثورة السورية على النظام والتي تعكس مؤشرا خطيرا وإيجابيا في نفس الوقت على تفكك الدوائر القريبة جدا، والمحيطة بالنظام السوري الدموي. ومهما حاول النظام الأسدي من تصوير هذه الحادثة على أنها مجرد خلاف شخصي، فإنه لن يستطيع التستر على الانتفاضة الحاصلة في القرداحة داخل البيت الأسدي المتصدع أصلا من الداخل والتي أصبحت محل الاهتمام والتداول في جميع الأوساط السورية وخارجها. ما يحدث في القرداحة لا يعتبر مجرد إطلاق نار بين أسرتين، بل هو الطلاق بين أصدقاء الأمس الذين أصبحوا أعداء اليوم، وبداية نهاية أسرة الأسد الدموية. وأيضا رسالة مباشرة لبشار أن الملجأ الذي كان يراهن عليه لم يعد ممرا آمنا بعد اليوم؛ لأن عائلات القرداحة باتوا يدركون أن النظام الأسدي على وشك السقوط، ولايرغبون أن يكونوا الحطب والوقود لمعركة ثورة الكرامة الأخيرة في القرداحة معقل الأسد. وانتفاضة القرداحة في الواقع تشكل مفصلا بارزا في مسار التغيير الوشيك القادم في سورية، ونهاية حتمية لآخر تحالفات الأسدي والذي كان يراهن عليه وقرروا التخلي عنه. ففي هذه المدينة حيث ووري الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، وباسل الأسد أخ الرئيس الحالي، سيشنق بشار الأسد، وسيسجل التاريخ آخر ملاحم الثورة في القرداحة معقل النظام الأسدي البائد.