زينب غاصب ابنة الجزيرة الحالمة «فرسان» مبدعة متفردة في كتاباتها الإبداعية، من حيث امتلاكها الواضح للجمل والمفردات المفعمة بموسيقى الروح وعنفوان البحر، فهي شاعرة بما تحوزه من أدوات شعرية وملكة فنية متدفقة بكل جماليات الإلهام، لا يملك معها المتلقي سوى الاستسلام لكلمات قصائدها الحريرية التي تعطي للبوح أبعادا فلسفية عميقة نابعة من زرقة الماء وطهر الأمكنة، لتنير بها مساحات الألم المظلمة في قلبه وتحلق به بعيدا في ملكوت لا متناهٍ من الأمل والحب والضوء. قصة ولادة النص أشارت الشاعرة زينب غاصب في محور حديثها ل «عكاظ» عن قصة ولادة قصيدة «نوته من غناء قديم»: إن الشعر وليد اللحظة، والرواية وليدة الزمن، ولكن الشعر أحيانا يكون وليد الزمن، وهو الذي يأتيك، ويكذب من يأتي بورقة وقلم، ويقول سأكتب قصيدة، إلا إن كان نظما خاليا من الإبداع، لأن الشعر هو الذي يكتبك لا أنت الذي تكتبه، فهو يملي عليك ما ستكتب، ويأتي بلا لحظة، وبلا أحيان. هنا أحكي قصة قصيدة أتعبتني كثيرا، وتجلت فيها كل الحالات السالفة الذكر. أذكر من طفولتي في مسقط رأسي جزيرة (فرسان) أن النساء إذا غاب أحبابهن في السفر، والغوص، ومعظمهن أميات لا يعرفن القراءة ولا الكتابة، يلجأن إلى حيلة لكي يتمكن من إحصاء عدد أيام الغياب، فيأخذن إبرة الخياطة ويرسمن خطا مستقيما، منحوتا على جدار البيت المبني من الحجر والجص، وهذا الخط يعبر عن عدد الأيام إن كان أسبوعا، أو شهرا، أ و سنة، حتى تتراكم الخطوط، وفي نفس الوقت كن يغنين غناء جميلا، إذا ما هزهن الشوق لهؤلاء الأحباب يسمى هذا الغناء (بالتدريه)، كنت أختزن هذه الأشياء في ذاكرتي، وأريد أن أكتبها شعرا، وأتهيأ وأحضر ورقة وقلما، وأشرع في الكتابة، ولكن القصيدة لا تأتي، فيئست منها ومن محاولات العبث معها، فهجرتها واستمر هذا الهجر ما يقارب عشر سنوات، إلى أن جاءت ليلة كنت أتهيأ فيها للنوم، وإذا بالقصيدة تداعبني، وكانت غرفتي مظلمة، وليس بجنبي ورقة ولا قلم، وكان أقرب شيء لدي قلم (روج) ومنديل ورق، فكتبت به أول المقطع بعد أن أضأت النور، وهكذا جاءت قصيدة (نوتة من غناء قديم)، وكانت ضمن ديواني الأول (للأعراس وجهها القمري) الصادر عام 2000م. النص نوتة من غناء قديم وجه، وشوق، والغبار، بكفها كتب السؤالا.. تدور بالعينين، يمشي سرابها، تصكها الأشياء، تربكها، فما سكنت بوحشها قرارا، ولا جلست بمقعدها تباعا.. كانت على طيف، يعنون صمتها، يطوفها ذرعا، ويشطرها ذراعا.. هي: لم تكن تدري فنون البوح بالألوان، والأقلام، والحرف.. هي إبرة (تنحت منها حائط الجص).. وقفت: تعد الخط بالأيام، توازي الصف بالصف، يبعثرها الحساب.. يهزني غناؤها الولهان / بالتدريه / أرهف صوته، يعلو على التنور، يلفح خبزها، يسري بأوردة اللهب.. شبت قصائدها على وجه الحطب.. «لي القلب هجس .. كادي ونرجس.. البحر حاكم، حاكم وظالم، لا له مراقي ولا ملازم.. درهت باثنين، النون والعين، واحد مراية وواحد كحل عين...» هي لم تكن تدري مطارات السفينة.. لا البحر يمحو رموشها، ولا بجعبتها مدينة.. سحقا لهذا البحر، للأصداف، للحلل الثمينة.. متى؟ تضئ شموعها، لتفتح الدار الحزينة.. مواسم الأعياد حفلا للنظر.، كم بأشكال الجدار، نظرت رسوم البعد، تلمسها، تودعها، يصوغها شجر القصار.. وهج بها، يرنو مواعيد النخيل.. لعلهم، لا بدهم، لربما الفصل الجديد، يأتي بأفلاك اللقاء.. إليك ي زينب ا للغة البحر سفر في الدماء، حيث الجزر محطات مغادرة وفضاءات وصول، وعندما استحضر البحر بغموضة وسحره وعوالمه، وتأتي الجزر الحالمات محملة بالدهشة والحب وطهر الأمكنة والأماني الجميلة.. عندما تحضر هذه اللوحة وتتشابك في ذاكرتي يأتي الشعر بتبتله وجلاله ينهض كالضياء. عبد العزيز الشريف زينب.. نبتة برية.. نديّة كأعشاب الخزامى زينب.. قلعة تراثية .. قويّة كأشجار البشام جمعتنا يوماً رمال فرسان الذهبية، بللتنا مياهها الصافية، وتاهت بنا لحناً شعابها المرجانية. على ظهر "الفلوكة" اقتربنا من ذواتنا الإنسانية وأشعلنا الأمل نشيداً لغد يلامس أحلامنا. زينب .. اليوم ينادينا ... نساء من وطني حملن قضايا الانسان عبرن الشائك والممنوع وطيفاً من وهج للمرأة في معترك الأشجان. لن ننسى لن نخذل، لن نقف حيارى فالوقت عصي لا يحتمل النسيان!! أميرة كشغري