إن إنشاء «هيئة تقويم التعليم العام» يعد خطوة مباركة ورائدة في مسار التعليم من شأنها الارتقاء بمستوى التعليم العام عموما في المملكة، وخصوصا بأن المطلوب من هذه الهيئة؛ بناء نظام للتقويم وضمان جودة التعليم العام بالمعايير والمؤشرات الأساسية، وتقويم أداء المدارس الحكومية والأهلية واعتمادها بشكل دوري بناء على معايير الهيئة، وبناء الاختبارات الوطنية المقننة لكل مرحلة دراسية، بمعنى آخر سوف ينظر إلى هذه الهيئة على اعتبار أنها صمام الأمان لجودة التعليم في المملكة. ونحن في المملكة لا زلنا نعيش ظلال تجربة التقويم والاعتماد الأكاديمي لمؤسسات التعليم العالي، حري بنا أن نستفيد من هذه التجربة في زيادة فعالية الدور المرتقب لهيئة تقويم التعليم العام للمدارس الحكومية والخاصة، وذلك للترابط الوثيق بين نوعي التعليم (العام والعالي) من جهة، ولتعظيم الفوائد ومعالجة الثغرات التي طفت على السطح جراء عملية التطبيق من جهة أخرى، فالبعض كان قد تعامل مع التقويم والاعتماد في التعليم العالي بصورة مغلوطة رافقها صخب إعلامي لم يقدم ولم يؤخر في مسيرة الجودة التعليمية، وفي ظني يتعين بأن نحرص على انسياب مبادئ الجودة التعليمية والتقويم والاعتماد في ثقافتنا بهدوء محض، وبكثير من الأفعال وبأقل قدر من الأقوال، وأن يمثل الطالب والمعلم محور التطوير ومادته، وأن لا يكون اجتياز معايير الجودة صوريا بل موضوع للتكامل والتعاون. ولعل أهم عامل من عوامل نجاح «هيئة تقويم التعليم العام» هو الاستقلالية الإدارية والمالية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فلا معنى لوجود هذه الهيئة إن ارتبطت بوزارة التربية والتعليم، ونحن نشير في هذا المقام إلى الاستقلالية الحقيقية على صعيد التطبيق لا على صعيد التشريع، إذ إن التشريع يكفل هذه الاستقلالية بوضوح بمقتضى قرار مجلس الوزراء الموقر. وبالتالي يجب أن تكون مستقلة في قراراتها وفي توجهاتها ومقيمة لأداء الوزارة نفسها. ولتفعيل عمل الهيئة لا بد من التهيئة ونشر ثقافة الجودة والتقويم لتعميق القناعة بجدوى تطبيق معاييرها؛ وخصوصا بأننا لمسنا بأن الكثير من منسوبي الأجهزة التعليمية يعتبرون الجودة عملا ورقيا لم يضف الكثير إلى النواتج التعليمية، وعليه نحتاج إلى ترويج المصطلح في المدارس وإدارات التعليم بالتركيز على النواتج العملية التي يمكن أن تتحقق نتيجة تطبيق معايير الجودة قبل المضي قدما في عمليات التقويم، ولا بد أيضا من التأكيد على مبدأ الشمول في الجودة التعليمية لتشمل كافة أركان العملية التعليمية ممثلة في المدرسة، المدرس، البيئة التعليمية، المناهج، الدعم الإداري، الطالب. وتقتضي التهيئة لتطبيق معايير الجودة في التعليم تهيئة المناهج ذاتها، لتنسجم مع معايير مقبولة من النواحي التعليمية، واعتقد بأن جودة المناهج تمثل التحدي الأكبر أمام الهيئة لأنها القضية الشائكة في معادلة التطوير. النقطة الأخرى التي تلعب دورا في إنجاح عمل الهيئة «استقلالية موظفيها» بأن يتم تعيينهم من خارج وزارة التربية والتعليم وليس من موظفيها؛ لأن ذلك يسهم في تبني أساليب وأفكار وثقافة جديدة، ويختصر الكثير من المسافات صوب التطوير، كما أنه يسهم في التقليل من مقاومة التغيير وهي المشكلة التي تلازم عملية التطوير عادة. إضافة إلى ما سبق يتعين النظر إلى عملية التقويم على أنها عملية تطويرية شاملة وهي كذلك بالفعل فعملية التقويم تشمل معايير محددة يعني الالتزام بها تطوير كل ركن من أركان العملية التعليمية والعمليات المساندة لها، فالجودة التعليمية تعني مزيدا من التدريب والتطوير والتنمية للمعلمين، وتعني بيئة تعليمية وتعلمية جاذبة وملائمة تشمل مباني وتجهيزات ومدارس وقاعات ووسائل تعليم وترفيه عالية المستوى، كما أنها تعني مناهج تلبي الاحتياجات العصرية الملحة، فضلا عن المساندة الإدارية للعملية التعليمية وغيرها من جوانب التطوير. ولعل تطبيق معايير التقويم على المدارس الأهلية لا يقل أهمية عن تطبيقه على المدارس الحكومية؛ لأن في ذلك حل للكثير من القضايا في قطاع التعليم الأهلي وخصوصا ونحن نرى بعض مؤسسات التعليم الأهلي قد استبدلت الجودة بالتربح السريع، فغدا التعليم لديها سلعة أكثر من كونه قيمة تبني أمة. ختاما أرجو أن لا تكون الجودة جزءا من منظمة العلاقات العامة والصور الجوفاء الخادعة بل ركنا هاما وعملا جادا في تطوير التعليم ودمتم سالمين. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 203 مسافة ثم الرسالة