في ظل التحولات المرتبكة والقلقة التي تمر بها اليمن يمكن المراهنة على قوى المجتمع المدني رغم ضعفها وعجزها عن تحديد خياراتها باستقلالية إلا أن لديها من الإمكانيات ما يجعلها قادرة على الدفع بالتغيير بما ينفع الناس ولو على المدى البعيد، ولا يمكنها أن تحقق وجودها ما لم تحدد خياراتها بوضوح وبأجندة نضالية جديدة بحيث تستوعب حاجة الواقع، وطبيعة الصراع وتراهن على بناء القواعد. وهذا يتطلب مغادرة التحالفات مع القوى التي شكلت ومازالت الجدار العازل لبناء دولة وتقدم مجتمع. إن المراهنة على أشخاص وقوى مجربة ووعيها الفاعل يتحرك طموحا وفعلا خارج سياق طموح التغيير المرتجى يمثل تزويرا وخداعا لفكرة التغيير، لذا فإن تحديد موقف صارم تجاههم لصالح قواعد التسيير والعمل على تفكيك خطاب القوى المرتكزة على شرعية الثورة ضروري لكشف أوراق اللعبة المختلطة، فالماضي يعاد إنتاجه بلغة خطابية منادية بالتغيير، وهذا ما يجعل الحكم على القوى المتنازعة من خلال الخطاب التسويقي غير مجد لفهم واقع الأشخاص والتكوينات، ومن وجهة نظري أن الغرق في تزيين الواقع البائس في لحظة التحولات المحورية يغدو المفسدة الكبرى لأنه يحمي الماضي بالتزوير والخداع، ويقتل المستقبل حتى لو تحدث باسم ثورة. المجتمع المدني بحاجة إلى فتح أفق التواصل، وبناء شبكة فاعلة تقوي من لحمته، وفتح أفق التواصل والاتصال مع كافة الأطراف الأكثر تأثيرا والحسم معهم فيما يخص الإصلاحات المقبلة والإصرار على ما ينفع اليمن ويستجيب لحاجاتهم، وأي طرف من القوى المتنازعة متحيز للتغيير ويمتلك القدرة على تجاوز مصالحه الأنانية لصالح التغيير لابد من إسناد مواقفه أين ما كان مكان تموضعه. ما زال الوضع حتى اللحظة يتحرك خارج فكرة التأسيس. وهنا جوهر المعضلة، والعوائق التي كانت تعيق التغيير تنمو مع الوقت وما يزيد الوضع تعقيدا أن البعض منخرط في صراعات تصفوية. وهذا قد يجعل الانتقال أكثر صعوبة. قوى المجتمع المدني لتحقيق الحد الأدنى من طموحاتها بحاجة إلى تفعيل دورها والتحرر من ضغوط الواقع والمراهنة على المستقبل، وتحريك قوتها الناعمة من أجل إنتاج السلام.