تزداد المشكلة اليمنية تعقيدا بسبب القوى التي تدعي أنها تمثل الثورة، فالقيمة والمبدأ لم يعودا هما الفاعل في حركة المسار الثوري، بل وعي انتقامي ثأري تم إنتاجه بآليات جديدة وبإعلانات كبرى، أي أن وعي القبيلة باسم ثورة تلبس بالعصر والدين وأنتج لنا خلطة نشاز انتجت لنا وعيا قبليا مدمرا حتى للتجليات الأخلاقية والحضارية التي راكمها اليمني عبر تاريخه، فالإسلاموية وحلفاؤهم انتجوا خطابا ثوريا مشوشا بين الناس أحدث تفسخا أخلاقيا، وأدى إلى انقسام المجتمع وبث الحقد والكراهية بين أبناء الشعب الواحد. لست متشائما.. فالتغيير يتحرك الآن بثقة واقتدار بعد أن أنقذت التسوية السياسية اليمن من الحرب والدمار. ما يولد الخوف لدي أن بعض القوى مازال لديها أحلام تصفوية باسم إنجاز ثورة لم تكن ولم تولد بعد، وهو نزوع ينتجه وهم مكرر مخالف لواقع الحال، فالمسألة التي انتحروا فيها ومازالوا رغم الإنجاز الذي تحقق مرتبطة بالعدو المتجسد بالرئيس السابق صالح، حسب تصوري أنهم لا يريدون الانتقال إلى فعل إيجابي منتج للتغيير وحاجتهم إلى صالح ضرورية لأنهم بلا مشروع والذي يلبي لهم رغبتهم بدهاء. وحسب تصوري لو اختفى صالح سيبحثون عن صالح ويخلقونه بصور متعددة. ما يعوق التغيير في اللحظة الراهنة يمكن اختصاره ببنية متراكمة من المشاكل وببنية عقلية تحكم القوى المتصارعة لم يتم تفكيكها حتى اللحظة رغم الضجيج الهادر، لست مهتما بالخطاب الانفعالي الذي يتم إنتاجه بعناوين عريضة كمفهوم الثورة، فالثورة ليست إلا شعار لإدارة صراع فمن ينتج الخطاب الثوري ويتحكم فيه جماعات مصالح تدير معركتها لتصفية المنافسين والخصوم. وإن لم يتم تحرير القوى المتنازعة من وعي النظام السابق وعقله التقليدي في الحكم والمعارضة فإن ما يجري ليس إلا محاولة لتثبيت واقع الماضي، وتجديد شرعية الهيمنة الكلية للكتلة التاريخية التي تحكمت بالجمهورية مع جعل صالح وعائلته كبش فداء، وما يعقد المشكلة أكثر أن أغلبية اليمنيين صار لديهم قناعة أن التركيز على الانتقام وربما تدمير صالح وعائلته حتى في حالة حدوثه ليس إلا الوهم الذي من خلاله يتم قتل فكرة الثورة وإجهاض التغيير الذي يجب أن يكون شاملا وجذريا.