مرور مواقف الغدر والخيانة والخديعة الإنسانية وما شاكلها من خلال مشاعر إنسانية معينة بدون أن تخدشها أو ترسم حتى بصمة خفيفة عليها دليل على قوة صاحب تلك المشاعر وصلابة المبادئ التي ربي عليها، فهو كالذهب الصافي الذي لا تغيره السنون ولا تصدئه العوارض. لا توجد إحصائية دقيقة تبين إن كان مثل هؤلاء الناس قلة أم كثرة على كوكب الأرض، ولكن توجد تأكيدات على أنهم موجودون بين البشر، منثورون بينهم كالماس الذي يبرق من بين الرمال، ينشرون عطرهم الخاص في كل مكان يدخلون إليه، تسعد الأماكن بهواء أنفاسهم، وترتاح النفوس بصحبتهم، وتركن القلوب إليهم.. هناك نفوس تعرفهم جيدا، وتميز معدنهم، وتقدر قيمتهم، وتحبهم، ونفوس أخرى لا تعرفهم، ولا تميز معدنهم، ولا تقدر قيمتهم، ولا تحبهم، وهؤلاء هم الذين تتواجد بينهم العينة التي تخترق حياتهم بسلبياتها ومستنقعاتها وتحاول بكل ما أوتيت من قوة أن تلوث صفاء مياههم، وتسود بياض قلوبهم، تتمنى لو أنهم لبرهة يخدشون، أو يتغيرون، فتصغر دائرة محاسنهم، وتمرض صحة أخلاقهم، وتتعفن عطورهم.. الأقوياء هم الذين لا يتشكلون كالصلصال بين أيادٍ تتسلى بالضغط عليهم، لا تتلون نصاعة بياضهم حتى لو سكبت عليها أرطال من الحبر الأسود، ولا تتلوث صفاءاتهم حتى لو شربوا مستنقعات الدنيا، هم أناس كالجبال الشامخة، أرضهم صلبة، وجذورهم عميقة، وشموخهم جميل، يدخلون إلى الدنيا وهم يحملون البشرى والفرح، ويخرجون منها تاركين الكثير من الذكريات الجميلة والبصمات الخالدة، هنيئا لأعين ترى الماس وسط التراب، ونفوس تميز الذهب الخالص من المزيف، وعقول تعاشر مثل هؤلاء، فالدنيا تحلو بهم والأيام تسعد بوجودهم، هم أحسن أصحابا، وأروع عشراء عمر، معهم يرتشف أطيب فنجان قهوة، وتؤكل ألذ لقمة طعام، وتشرب أعذب شربة ماء.