انتقد المفكر والشاعر محمد العلي عدم التزام بعض المثقفين بأيديولوجياتهم الفكرية واصفا إياهم ب«المثقفين الرحل»، معتبرا أن المثقف هو من يحمل قضايا مجتمعه في الحاضر والمستقبل ويكون على استعداد دائم للتضحية من أجلها، ورفض تصنيف الثقافة على أنها مهنة، وطالب المثقف بتعريف دوره في ضوء مفهوم المسؤولية الاجتماعية،«عكاظ» ناقشته عن أبعاد قضية تحلل المثقف من أيديولوجيته في تفاصيل الحوار التالي: إضافة إلى ما درج عليه بعض المثقفين العرب من تبني أيديولوجيات منتجة خارج الإطار العربي، انكشفت مؤخرا واحدة من أضخم مثالبهم، تجلت في عدم تحليهم باليقين الأيديولوجي حيال القيم التي طالما دعوا إليها، فما أسباب عدم التزام المثقف بأيديولوجيته؟ من لا يلتزم بأيديولوجيته التي يكون الإنسان دليلها وهدفها، لم يكن يؤمن بها أصلا، وإنما اتخذها سلما لأغراض لا علاقة لها بالقيم. المثقف والعارف البعض من هؤلاء أمعن في تحلله الأيديولوجي إلى حد الاستسلام لتحيزاته الطائفية والتحالف مع القوى الديكتاتورية المعادية لقيم التحضر، فما توصيفك لهذا النموذج؟ شبهت هؤلاء ذات يوم قديم بالبدو الرحل وسميتهم «المثقفين الرحل»، وهؤلاء من الخطأ الفادح أن نطلق عليهم وصف المثقفين. ألا يشكل نموذج المثقف العربي المساند للأنظمة الديكتاتورية الآن عنصر توتر في وجه التغيير، مثلما كان توجهه الأيديولوجي الاستغرابي عنصر تعويق أمام استلهام الجذور في تحقيق نهضة الفكر العربي؟ هناك فرق كبير بين العارف وبين المثقف، فالعارف قد يكون أوسع اطلاعا بالتاريخ وبالجغرافيا، وسائر العلوم لكنه قضية نفسه فقط، ولا قضية له يصون بها علمه واطلاعه وماء إنسانيته، أما المثقف فهو يحمل قضية لا تخصه وحده وإنما تخص مجتمعه كله في حاضره ومستقبله، وليس هذا فحسب بل يكون على استعداد مستمر لبذل سهاده وحريته وحتى دمه لأجل هذه القضية. تجاوز المفاهيم يبدو جليا أن المثقف العربي توقف بوعيه لطبيعة هويته كمثقف، عند حدود ممارسة الثقافة في إطار إشباع الميل الداخلي، وهذا هو السبب في انعدام نزعة الالتزام القيمي لديه، إضافة لقصور فهمه في إدراك استيعاب جانب المسؤولية في تصور دوره، فإلى أي مدى يدرك المثقف العربي حقيقة دوره في رأيك؟ وهل إدراكه لدوره صحيح؟ ليست هناك «كذبة صادقة» مثل الهوية، والمثقف هو الذي يخلق هويته متجاوزا كل المفاهيم، بل كل المعاني السائدة عن هذه الدمية المسماة «الهوية»، وهي ليست أكثر من درع يلبسه العاطلون عن مواجهة الظروف اللا إنسانية التي تحرق فيها مجتمعاتهم. الثقافة ليست مهنة ما رأيك فيما سبق ونشره الدكتور توفيق السيف في جريدة «عكاظ» من القول بأن الثقافة تعد مهنة كغيرها من سائر المهن، وأن مهمة المثقف تتمحور حول الانتقال من دور مستهلك الثقافة إلى مستوى ناقد الأفكار ثم منتج الأفكار، وهذه الأفكار قد تساهم في تطوير المجتمع، وأين تضع المثقف العربي الآن من هذه المراتب التي حددها؟ أحترم الدكتور توفيق السيف وهو في رأيي مثقف ملتزم ولكنه لا يدري بذلك، الثقافة نعم انتقال من التلقي إلى النقد ثم إنتاج الأفكار، ولكن إلى ماذا؟ وما هو الهدف؟ وهل من يضحي بجهده وحتى بنفسه يسمى صاحب مهنة؟ لا أبدا الثقافة ليست مهنة إنها صعود على ساعد مائل في عاصفة كما يقول محمود درويش. صراع القديم والحديث هل أصبح المثقف العربي مطالبا بإعادة تعريف نفسه، ومن ثم دوره في ضوء مفهوم المسؤولية الاجتماعية باعتبارها شرطا تاريخيا تفرضه متطلبات اللحظة الراهنة؟ نعم أصبح مطالبا، ولكن الذي لا يطالب نفسه قبل أن يطالبه أحد لا أظن أنه سيسمع النداء. إلى ماذا ترجع حالة الصراع الدائر بين التيارين المحافظ والليبرالي في المملكة؟ وما نوع هذا الصراع؟ وهل تراه مبررا؟ لست أنا الذي أراه مبررا بل التاريخ، فالصراع بين القديم والجديد، بين الليل والنهار، سيبقى في العالم كله وليس فقط عندنا.