البداية مع رجل يتجه إلى ربه متضرعا داعيا أن يرزقه الله الخلف الصالح يحمل اسمه ويهبه لحفظ كتاب الله ويكون من أهل القرآن الكريم وخادما لدين الله، ويشاء السميع العليم أن يحقق أمنية هذا الرجل البسيط ويهبه الولد الذي طالما تمناه، فكانت فرحته بهذا الولد لا توصف فيهبه لحفظ القرآن الكريم وخدمة دين الله ليصبح بعد ذلك من أشهر قراء القرآن الكريم. ولد القارئ محمد محمود الطبلاوي بقرية ميت في العام 1943م، وحينما بلغ الرابعة من عمره أخذه والده إلى كتاب القرية ليفي بنذره ويهب ولده لحفظ كتاب الله، فعرف الطفل الموهوب بالفطرة طريقه إلى كتاب الله مستغرقا في حب القرآن الكربم والتأمل في آياته فأتم حفظه وتجويده وهو في سن العاشرة. يدين بالكثير لكل من علمه حرفا ولاسيما شيخ الكتاب الذي تعلم على يديه أساسيات القراءة، وكان دائما يردد عل مسامعه هذه العبارة «يا محمد أنت موهوب وصوتك جميل جداً وقوي»، فقد كان شيخه خبيرا بالفطرة وبحكم عمله في تحفيظ القرآن الكريم فكان يقيم أصوات تلامذته ويصنفهم وكان دائماً يولي الطبلاوي الاهتمام ويختصه برعايته من حيث التحفيظ بدقة والمراجعة المستمرة على غير المعتاد مع باقي تلامذته. وبعد أن حفظ الفتى القرآن الكريم كاملا بالأحكام ولم يتوان لحظة واحدة في توظيف موهبته التي أنعم الله بها عليه فلم يترك الكتاب أو ينقطع عنه وإنما ظل يتردد عليه بانتظام والتزام شديد ليراجع القرآن الكريم مرة كل شهر. يقول الشيخ الطبلاوي «بدأت قارئا صغيرا غير معروف كأي قارئ شق طريقه بالنحت في الصخر وملاطمة أمواج الحياة المتقلبة، فقرأت الرواتب والذكرى السنوية وبعض المناسبات البسيطة، كل ذلك في بداية حياتي القرآنية قبل بلوغي 15 من عمري وكنت راضيا بما يقسمه الله لي من أجر والذي لم يزد على ثلاثة جنيهات وعندما حصلت على خمسة جنيهات تخيلت أنني بلغت المجد ووصلت إلى القمة». واجه الكثير من الصعوبات في بداية طريقه فقد حاول كثيرا الانضمام للإذاعة ولم ينجح في تسع محاولات إلا أنه كان دائما متفائلا وكله ثقة بالله ثم نفسه وشاء الله أن يكلل تعبه بالنجاح في اختبار الإذاعة في المرة العاشرة بتقدير امتياز عن جدارة واستحقاق، وقد سجل رقما قياسيا من حيث سرعة الشهرة فقد ذاع صيته وحقق من الشهرة ما لم يحققه غيره في أعوام. وللشيخ رصيد كبير من التسجيلات أبرزها تسجيل القرآن الكريم مرتين مع التجويد والترتيل بالإضافة إلى المصحف المرتل الذي يذاع بإذاعات دول الخليج العربي إلى جانب مجموعة كبيرة من التلاوات النادرة والحفلات الخارجية في بعض الدول العربية والإسلامية. وقد توالت على الشيخ الكثير من الدعوات الخارجية فقد زار أكثر من 80 دولة مثل اليونان وإيطاليا كما سافر إلى الأردن بدعوة من القصر الملكي لإحياء مأتم والدة الملك حسين، وتم تكريمه في لبنان لجهوده في خدمة القرآن الكريم، ولكن للأسف لم يتم تكريم الشيخ الجليل في مصر، ومع ذلك فإن التكريم الحقيقي للشيخ الطبلاوي يكمن في حب الناس له وحرصهم على الاستماع إليه وكونه يحتل مكانة عظيمة في قلوب المسلمين.. وهذا هو التكريم الأعظم.