يقول ابن خلدون: «اتباع التقاليد لا يعني أن الأموات أحياء، بل إن الأحياء أموات». وهذا صحيح، فإن الأموات لا يمكن أن يُبدعوا أو يتفوقوا. وكذا من يتبع التقاليد من غير هدى لا تنتظر منه عطاء أو تميزا، وحسبك بأناس يسيرون وفق دستور كتبه لهم الأموات، ويكبلون عقولهم، ويودعونها، مع سبق إصرار، السجن المؤبد. وأصحاب هذا المنهج دائماً ما يُسكِتون المخالف بقولهم: هكذا نحن منذ زمن، وأدركنا آباءنا على ذلك، وتأتي أنت تريد أن تغير؟! وهذا يذكرني بقول الأوَّلين: ?إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون?. أو بقول الآخِرين: «الله لا يغيِّر علينا». علماً أن التغيير إذا كان منسجماً مع ثوابت الدين، فإنه من أسس النجاح والقوة، واشترط الله تعالى علينا إذا ابتغينا هذا النجاح أن نفزع إلى التغيير الفعلي في أنفسنا، وسيعقبه تغير حتمي على أرض الواقع: ?إن الله لا يُغير ما بقوم حتى يُغيروا ما بأنفسهم?. مع إيماني بالثوابت، كعلمي أني من لحم ودم، ولولا إيمان المبدعين ببعض الثوابت ما أبدعوا. أما تلك التقاليد التي تمدنا بالقوة وأسباب البقاء، فهذه تجارب آخرين، من رجحان العقل المحافظة عليها، والسير في أثرها.