تعد الذائقة معيارا لفرز وغربلة ما تستقطبه الذاكرة الفردية والجمعية من أحداث، وتتفاوت درجة الذائقة بين الأفراد، إلا أن هناك قواسم مشتركة تفعل الذائقة الجمعية وحسب كل بيئة وقطر. وإذا كانت الذائقة في أوروبا مرت بأحداث جوهرية خلال القرون الأربعة الأخيرة أجلت عنها الخبث الذي ران عليها عبر العصور الوسطى، إلا أنها في العالم العربي مازالت أسيرة مفاهيم شوهت لدرجة التحريف واستغلت هذه المفاهيم لبعثرة الذائقة عبر ستائر براقة مخملية وخاملة. وفي خضم الأمواج المتلاطمة التي اجتاحت العالم العربي مرت الذائقة العربية الجمعية بكل ألوان التغييب والتشويه والإلغاء، وإن صح التعبير غياب بوصلة النقد الهادف والبناء إلا عبر جهة واحدة وبعيدا عن الفرد. ومع هوجة المد الفضائي والانقلاب على الرؤية البصرية واستقطاب مفاهيم جديدة وأنماط حياتية مختلفة عن الواقع العربي المعاش تزامنا مع غياب الموجه والناقد كانت الذائقة حيرى في ليل هذا المد والجزر بين التقوقع على ما هو راسخ في الذاكرة أو تقبل الجديد بكل ما فيه من سم وعسل. ولعل البث الفضائي في هذه الأحداث هو سيد الموقف والمحرك الأساسي لنشوء ذاكرة حبلى بكل ما تستقبله من أنماط حياتية مختلفة سعيا لبناء ذاكرة جمعية على مستوى العالم وإلغاء أو انقلاب على ما كان سائدا. ما يهمنا هنا أن ذائقتنا العربية في بعض الأقطار لم تنبن بعد ولذلك هي عرضة للتلهي والمخاتلة والزيف إن على مستواها الفهمي أو على التراجيدي والكوميدي.. لنضيق الحلقة قليلا ونضرب مثالا بسيطا على درجة وعي هذه الذائقة وكيفية استيعابها وفرزها وتبيان رشدها حيال ما يبث من دراما على القنوات الفضائية وفي هذا الشهر الفضيل الذي من المفترض أن تكون فيه الذائقة في قمة تجليها وصفائها، فإننا نلاحظ غياب الوعي لهذه الذائقة، والدليل أن هناك برامج تبث لا هدف فيها سوى التسويق الإعلاني والضحك علينا وتمضية الوقت بأشياء تافهة لا عائد منها. لو كانت ذائقتنا واعية لما سمحنا لمثل هكذا برامج، ولما أهدرنا أوقاتنا في ما لا ينفع.