ليست الرواية السعودية بمنأى عن التأثر بالمحيطات العربية المتنوعة، فمنذ دخول مفهوم الرواية ببعده الفني الحديث - الذي قدحت شرارته رواية زينب لمحمد حسين هيكل، مع تحفظ يوسف القعيد على هذا الإطلاق - وهناك تطلع لدى الكتاب السعوديين لخوض غمار هذه التجربة العربية الحديثة التي اجتاحت العالم العربي عبر روَّاد الرواية العربية المصريين تحديدا، ولقرب الحجاز من مصر وأسبقية أهله بالتعليم فقد استهلت الرواية السعودية مسيرتها بصدور رواية (التوأمان) لعبد القدوس الأنصاري في عام 1930م، بمعنى أن هذه الرواية سابقة لأول رواية أصدرها نجيب محفوظ بعنوان (عبث الأقدار) الصادرة عام 1939م، وقد يكون للعيب الفني في رواية (التوأمان) - التي تؤرخ للرواية السعودية - دور في عدم انتشارها بشكل جيد. وكأي بداية، فقد تناولت هذه الرواية الصراع بين بطليها التوأمين المختلفين في رؤيتهما للحياة وفق تعليمهما وثقافتهما، فأفسد الرواية سذاجة الطرح الذي كشفته عقدتها المتمثلة في انتصار رشيد بتقليديته وفشل فريد المتعلم في معاهد أجنبية. وقد واكب رواية (التوأمان) عدد من الروايات ذات النزعة الإصلاحية، حيث تلتها رواية (فكرة، الصادرة عام 1948م) لأحمد السباعي، واختلفت هذه الرواية عن سابقتها بانفتاحها على التغيير في البناء الاجتماعي؛ فبطلتها فكرة تطمح للتغيير وتجاوز الواقع، وتعد هذه الرواية الأولى من حيث تناول هموم الفتاة وتطلعاتها المستقبلية في وقت لم يكن ينظر لها بعين الاعتبار ككائن مستقل يطمح إلى أبعد من الواقع. وتليها الرواية الثالثة في مسيرة الأدب السعودي وهي رواية (البعث، 1948م) لمحمد علي مغربي، وهذه الرواية تنقض اتجاهات رواية (التوأمان)، حيث تتبنى رؤية ضرورة الإفادة من الآخر رامزة إليه ببحث أسامة الزاهر عن علاج خارج البلد، وهناك يكتشف هذا العالم المتمدن الذي ينعم به من تقدُّم يفتقر إليه بلده، وهي دعوة رمزية في وقت مبكر لضرورة التعلم من المجتمعات الأخرى، ونقل ما لديها من أدوات النهضة. ويقف الدكتور سلطان القحطاني في هذه المرحلة المؤسسة عند رواية البعث بينما يتجه آخرون لإلحاق رواية (الانتقام الطبعي، 1954م) لمحمد الجوهري بمرحلة الرواد التي تعد أطول مرحلة تاريخية في مسيرة الرواية السعودية (1930 إلى 1954) رغم أنها لم تنجب سوى أربع روايات. مرحلة التأسيس الفني في الرواية السعودية: لا يختلف النقاد والدارسون على أن رواية (ثمن التضحية) لحامد دمنهوري الصادرة في عام 1959م، هي المؤسسة لهذه المرحلة، حيث يحلو للبعض تسميته (أبو الرواية الفنية السعودية)؛ ففي هذه الرواية تبدت جليا تقنيات الرواية الفنية بمفهومها الشامل، وقد يكون لالتصاق حامد دمنهوري بالفضاء الإبداعي المصري - من خلال دراسته في جامعة القاهرة - دور في تطعيم ذائقته الإبداعية بهذه النكهة المصرية، خصوصا رواية زينب التي تقاطعت معها الرواية في العديد من الملامح، وذهب البعض إلى أن ثمة تأثر واضح بثلاثية نجيب محفوظ؛ لذلك لم تبتعد ثمن التضحية عن الأجواء المصرية وشخصياتها، فراقت نفس دمنهوري لهذا الفن الراقي فألحق بروايته الأولى ثمن التضحية رواية ثانية أسماها (ومرت الأيام) التي تدور أحداثها ما بين مكةوجدة متمثلا البعد البيئي والجغرافي بأسلوب بسيط غير معقد لهاتين المدينتين، إلا أن ما يميز هذه الرواية (التي يراها بعض النقاد أنها الأضعف فنيا) هو المونولوج الداخلي، حيث لم يسبقه أحد من الروائيين السعوديين إليه. ثم جاء إبراهيم الناصر الحميدان (أطال الله في عمره) لينفخ في صورة الرواية السعودية روحا جديدة تقوم على أسس الفن الروائي الحديث من خلال روايتيه (ثقوب في رداء الليل، 1961م)، و(سفينة الموتى، 1969م)، التي أعاد نشرها في عام 1989م تحت عنوان (سفينة الضياع) إذ طُلب منه رقابيا تغيير العنوان - كما أخبرني بذلك في لقاء متلفز معه في البرنامج الذي أعده وأقدمه عبر القناة الثقافية السعودية بعنوان «الصالون السردي» - والسبب في ذلك يعود إلى أن أحداث الرواية تتناول حيزا من مدينة الرياض وفي المستشفى المركزي، في إسقاط رمزي يشي بالمدينة. أما روايته الأولى (ثقب في رداء الليل) فتعكس العلاقة المأزومة بين القرية والمدينة، وتعد هذه الرواية الأولى في تاريخ السرد السعودي التي تطرح فيها القرية في مقابل المدينة، هذه الثيمة التي تناولتها رواية الثمانينات بوفرة إلى جانب مواصلة إبراهيم الناصر إصداره لرواية (عذراء المنفى، 1977م)، وقد سبق صدور هذه الرواية وتحديدا عام 1973 م رواية الروائي السعودي الكبير عبد الرحمن منيف (الأشجار واغتيال مرزوق)، حيث توالت إصداراته حتى وافته المنية، وهي الإصدارات التي شهدت إقبالا عربيا وعالميا كبيرين لا يتسع المجال لذكره. وفي عام 1977م صدرت أول رواية لعبد الله جمعان بعنوان (القصاص)، ثم رواية غالب حمزة أبو الفرج (الشياطين الحمر، 1977م). وعدا روايات عبد الرحمن منيف ذات البعد القومي، تعكس روايات السبعينيات عموما هم علاقة الرجل بالمرأة وتكوين الأسرة وما يلحق بها من أزمات تقع المرأة عادة فريستها في محاولة للدفاع عنها، ويحلو لبعض النقاد وصم هذه المرحلة بالضعف الفني، كلعنة تلحق بها متجافين طبيعة التأسيس المواكب لطبيعة النمو الثقافي والمجتمعي، مع أن كل ما جاء عقبها في فترة الثمانينيات وحتى يومنا هذا هو ناتج طبيعي للتراكم الكمي والمعرفي ومن بينها الرواية. ونلاحظ هنا تأخر ظهور الرواية النسائية إلى أوائل الستينيات الميلادية، وذلك لعوامل كثيرة متشابكة لعل من أهمها تأخر تعليم المرأة مقارنة بالرجل، والقيود الاجتماعية والدينية المفروضة على المرأة مما أخر الرواية النسائية زهاء ثلاثة عقود افتتحتها سميرة خاشقجي، لتلحق بها هدى الرشيد، وهند باغفار اللائي صدرت أعمالهن الروائية في فترة الستينيات والسبعينيات الميلادية. والملاحظ هنا أن كل هذه الروايات النسائية تدور أحداثها خارج السعودية، مما يشي بأن روائيات تلك الفترة هن نتاج خارجي تعليما وثقافة، إلى أن كتبت عائشة زاهر أحمد روايتها (بسمة من بحيرات الدموع) التي أصدرتها عام 1979م، لتعيد النسب الروائي النسائي السعودي إلى مجتمعه الطبيعي، حيث تدور أحداث الرواية بين جدةوالرياض طارحة إشكالية الطلاق وتفرقة الأبناء عن الأمهات، ومع هذا فإن ما يمكن أن توصف به فترة الستينيات والسبعينات بأنها فترة الخمود رغم ظهور هذه الأسماء القليلة في فضاء الإبداع النسوي السعودي، لذلك لم تتحفز الأخريات على تجاوز القيود الدينية والاجتماعية وخوض غمار التجربة الكتابية السردية لسبب بسيط مؤداه - كما أشرنا - أن هذا الحراك جاء نتيجة تأثيرات خارجية ليس للبيئة السعودية أدنى تأثير فيها، فمثلا روايات سميرة خاشقجي: (ذكريات دامعة)، و(بريق عينيك)، وحتى وروايتها (قطرات من الدموع) - التي كتبتها عن المجتمع السعودي - تعد كتابة من الخارج، فجاءت أفكارها مسبقة وحوادثها جاهزة. وأتحدث هنا بالطبع عن منطقة الحجاز التي تمثل منارة تعليمية حينها نسبة إلى مناطق المملكة المختلفة - أقصد في نجد وشمال المملكة السعودية وشرقها وجنوبها وشمالها - التي كانت المرأة فيها لا تزال خاضعة تماما لسطوة الرجل الرافض أو المتردد في مسألة تعليم المرأة أساسا. مرحلة الانطلاق يكاد يتفق الدارسون على أن مرحلة الثمانينيات هي المنعطف الحقيقي في مسار الرواية السعودية، فينسب إليها ظهور الرواية الحديثة متأثرة بالمتغيرات الكثيرة في حياة المجتمع السعودي، من بينها انفتاح التعليم على فضاءات ثقافية متنوعة عربية وشرقية وغربية، صُبَّت كلها داخل وعي الفرد، الذي أفرز بدوره إبداعا ينتمي إلى مدارس متعددة، واكبته حركة نقدية اتبعت طرائق ومناهج ومدارس حديثة، ففي عشر سنوات - أي من عام 1980 وحتى 1989م - صدر ما يقرب من تسع وعشرين رواية لسبعة عشر روائيا وروائية، لعل من أبرزهم: محمد عبده يماني، وسلطان القحطاني، وأمل شطا، وعصام خوقير، وحمزة بوقري، وعبدالله جفري، وعبدالعزيز الصقعبي، وعبدالعزيز مشري، إضافة إلى إبراهيم الناصر الحميدان. ويُعد عبد العزيز مشري وعبد العزيز الصقعبي وحمزة بوقري وسلطان القحطاني من الأسماء التي قدمت تجاربها الأولى الفارقة في الفضاء السردي السعودي، واحتفظت بزخمها إلى وقت متأخر؛ حيث تناولتها الدراسات والقراءات المتنوعة، فعبد العزيز مشري قدم صورة العلاقة المأزومة بين المدينة والقرية، بينما قدم الصقعبي في (رائحة الفحم) للرواية الشعرية، كما اهتمت روايته هذه بالشكل كثيرا، وقد لا يجافيني الصواب إذا قلت بأنها تعد بداية للرواية الحديثة في السعودية، حيث خرجت عن تقليدية الفكرة والشكل، وناقشت قضايا مهمة في المجتمع بشكل غير مباشر وبعيد عن التقريرية، وقد فطن لذلك بعض النقاد والدارسين الذين أشاروا إلى خروجها عن المصير الجماعي لتأتي باتجاه مختلف عن السائد بطرحها الذاتي الوجداني الذي لا ينفصل بدوره عن الجماعة، وإنما يتحرك من داخلها لا معها، في تأكيدها لأزمة المبدع أو الفنان ومن ثم المرأة، وحاول بعضهم فيما بعد التماشي مع هذه النزعة، فلم ينجح منهم إلا القليل، كما استخدم الصقعبي في هذه الرواية - ولأول مرة في الرواية السعودية - بعدا سينمائيا من خلال استخدامه لأسلوب القطع السينمائي الذي تُوَظَّف فيها المشاهد لتفضي إلى مجموعة من الدلالات. مرحلة الأزمات الصعبة: تمخضت حرب الخليج الثانية عن خلخلة في مجموعة المفاهيم وضعضعة في القيم بما في ذلك الهوية، وما اتجاه أدب هذه المرحلة إلا تعبيرا عما تستبطنه التجربة المرة التي طالت المجتمع السعودي، فنبتت على خلفيتها مجموعة من ا لأسئلة، دفعت بكثير من الشباب للتخلص سريعا من أنماط التعبير السائدة والبحث عن إجابات مبصرة عن حقيقة الأشياء من حولهم ومدى صلاحيتها لهم؛ لذلك حانت مرحلة الكشف بعين مبصرة وإرادة قاهرة لكل العقبات التي كان من أهمها الخوف؛ لذلك ابتدرت هذه المرحلة برواية (شقة الحرية) للدكتور غازي القصيبي ورواية (العدامة) للدكتور تركي الحمد، اللذين عبرا عن الحياة بطريقة إسقاطية تنبعث من الماضي بما يشبه الاعتراف أو المكاشفة، ومع أن هاتين الروايتين الممنوعتين حينها لاقتا رواجا كبيرا بين الشباب، إلا أن ثمة شبهات لحقت بهما من حيث المضمون والشكل. ثم عبده خال في (الموت يمر هنا)، وبعدها برزت أسماء روائية شابة مثل: عبد الحفيظ الشمري، ومحمد المزيني، وعبد الله التعزي، ومحمد حسن علوان، ويوسف المحيميد، إضافة إلى حضور المرأة بصفتها الروائية، مثل: رجاء عالم، ونورة الغامدي، وليلى الجهني، ومها الفيصل، ونداء أبو علي، ورجاء الصانع، وبدرية البشر، وأميمة الخميس، مع اختلاف في طرائق الكتابة، حيث لم تعد تُعنى بتسلسل الأحداث أو حتى رسم الشخصيات أو المكان أحيانا بقدر عنايتها بالمونولوج الداخلي والعمق الفلسفي واللغة الخاصة التي أحيانا ما تزاحم الأحداث وتخرجها عن سرديتها السلسة.. ويعد الشمري عند بعض النقاد في روايته (فيضة الرعد) التي أصدرها عقب عدد من المجموعات القصصية، فاتحة للمرحلة الحديثة الثانية في تاريخ الرواية السعودية التي دشنت فنيا برواية (رائحة الفحم) لعبد العزيز الصقعبي، ليدخل منافسا قويا لأسماء سابقة له في هذا المضمار، مثل: غازي القصيبي، وعبده خال، وتركي الحمد، والدميني، وهي أسماء جاءت بروايات تقترب من الذات. وكان اجتراء الشمري على هذا الفضاء مغامرة لذيذة نقضت تجارب سابقة في البنية والشكل؛ لذلك جاءت غريبة عنها مما أثار حفيظة الكبار محاولين دحرجتها عن عالم الرواية دون جدوى، إذ سريعا ما أخذ مكانه الطبيعي ولاقت تجربته إقبالا من جيل الشباب فتأثروا بها. ومنذ البداية تقف الرواية إلى صف غزالة، ناسجا ذاك الصراع المجتمعي بلغة فياضة بالمشاعر أحكم سيطرته عليها، فلم يكن السرد يتجه منحدرا من نقطة معينة، لذلك بدا الزمان مسكونا في رحم المكان العاج بكل الاحتمالات والمفاجآت، وهذه التقنية الجديدة التي طالعنا بها عبد الحفيظ الشمري في (فيضة الرعد) ممسكا بخيطه السردي بإحكام حتى في لحظات اللذة الحميمة، مما جعل النص يعبر عنها باحترام كامل لذائقة المتلقي، كما خرج بنا من ذاتية الأشخاص إلى ذاتية المكان. ولا يفوتني التنويه إلى تأثير كتاب المغرب العربي خصوصا الجزائريين الذين كان لهم دور في تطعيم الذائقة الروائية السعودية كالطاهر وطار، وأحلام مستغانمي، وكاتب ياسين، وواسيني الأعرج، ولا أبالغ إن قلت إن واسيني الأعرج تحديدا يجد لدى السعوديين مقروئية عالية، حتى أن الروائي الذي لم يقرأ له (سيدة المقام) أو (حارسة الظلال) أو (ذاكرة الماء) أو (كتاب الأمير) يعد جاهلا بالرواية العربية الحديثة؛ لاستخدامه طرائق تعبيرية جديدة، ولغة فائقة الجودة تميزه عن غيره. أما أحلام مستغانمي فقد انطبعت في نصوص كثير من الشباب المتطلعين لشعرية اللغة وحميمية القلب. الجيل الجديد: يطلق على هذا الجيل، جيل ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، هذه الحادثة العالمية التي أعلن فيها عن تورط عدد من الشباب السعودي فيها، فألحقت وصمة عار بمجتمعاتنا الإسلامية والعربية، بينما هي حقيقة أعادت إلى أذهان الشباب فكرة المستحيل الممكن، وأخرجتهم من التقوقع العاجز على الذات إلى فضاء أرحب، وكما يقال «رب ضارة نافعة»، فكان للإبداع السردي نصيب كبير منها حيث تحفز الشباب لتناول المرحلة بكل أبعادها الوجدانية والذاتية، حتى اندمجت تقريبا معها معالم الفنون الأدبية المختلفة من شعر وخاطرة وحكاية ومونولوج مليودرامي، وهنا تستوقفني تجربة جديدة في عالم الرواية لقاص عتيد آمن بالقصة القصيرة حتى الثمالة، ثم نراه يقع في غوايتها ويكتبها شعرا، وهو القاص والببليوجرافي الأستاذ خالد اليوسف في روايته (وديان الابريزي) وهي عبارة عن تدوين نصوصي يلامس الشعر، ويعزز موقف الشاعرية التي تتناهب الموقف بين رجل وامرأة يتجاذبان سيرة الحياة، ليحاول كل واحد منهما أن يثبت للآخر أنه على وعي مناسب يؤهله أن يقيم الواقعية. والجديد في الرواية - وهذا مربط الفرس - أنها تعمد إلى الرسائل، والمعابر الوجدانية التي تفضي إلى التدوين، وإلى مزيد من التساوقات اللفظية التي تنبني على ما تملكه المرأة من عاطفة تجاه الرجل حينما تقع فريسة للعاطفة، وتتناهبها حالة الوجد اللاعج، فيما يحاول الرجل أن يبني مطارحاته على أسس خطابية عقلية تمتزج بالعاطفة، رغبة منه في أن يصل إلى القارئ، ويقدم رؤية متكاملة عن أبرز ما يشغل النفس البشرية. هذه الخصائص الجديدة للرواية السعودية كَثُفَ حضورها بأشكال مختلفة، فدفع بالشعراء والنقاد وكتاب القصة وحتى الحرفيون من الشيب والشباب، ذكور وإناث إلى بوابات دور النشر الخارجية والداخلية، لنشر أعمالهم، حتى حارت عقول النقاد في فرز الأصلح منها ليسجل الرقم (580) رواية بحسب إحصاء الأستاذ خالد اليوسف الببليوجرافي، وهو العدد الكلي للروايات السعودية الصادرة منذ العام 1930 حيث بلغت إصدارات عام 2010م وفق إحصائية اليوسف (84 رواية)، ومع منتصف هذا العام 2011م بلغت (56 رواية)، ومن المتوقع أن تصل مع نهاية هذا العام إلى مائة رواية، وبهذه الكميات يكون عدد ما صدر حتى الآن من نتاج روائي سعودي (720 رواية)، أو يزيد! فماذا يعني ذلك؟ هل هو محاولة للتعبير عما يختلج في عقول الناس؟ هل للفضفضة دور فيها؟ هذا ما لا يمكن الإجابة عنه الآن على الأقل، ولكن من المؤكد تماما أن معدلات نمو التعليم في المملكة العربية السعودية قد بلغت أوجها، وأن الانفتاح على الثقافات الأخرى غدا أمرا يسيرا من خلال وسائل الاتصال الحديثة وعبر الاتصال المباشر أيضا، وهذا مؤشر قوي على أن بنية المجتمع السعودي الفكرية أصبحت أيضا مختلفة عن أنساقها القديمة، ربما كانت الرواية الطريقة المثلى لقول ما سُكت عنه في زمن ماض، فظاهرة كتابة الرواية في المملكة العربية السعودية تعد ظاهرة غير عادية، وتستحث الباحثين والدارسين والنقاد لدراسة مضامينها، واتجاهاتها، وطرائقها الفنية، وكتَّابها وكاتباتها، فالرواية في المملكة العربية السعودية تستحق النظر بتأمل، خاصة أن القراء العرب - بعد انتشارها وتواصل صدورها - أصبحوا في حالة ترقب لها، وأسهم النشر الخارجي بصورة كبيرة في خلق هذه المساحة الكبيرة التي وصلت إليها. التتويج: حظيت الرواية السعودية بعد رحلة زمنية طويلة بتتويج مدرستين فذتين في الفضاء السردي السعودي، وهما (عبده خال) و(رجاء عالم) اللذان فازا بجائزة البوكر العالمية لعامين متواليين، ولهذين العلمين زخمهما الخاص وطرائقهما الخاصة في الكتابة، فعلى الرغم من ولوج (عبده خال) في صميم المجتمع الواقعي المسحوق، وتقديمه بتفاصيله الدقيقة، إلا أنه استخدم الصورة اللغوية الخاصة به التي التصقت في ذاكرة القراء ك»الموت يمر من هنا» و»الطين» و»الأيام لا تخبئ أحدا» وأخيرا «ترمي بشرر» التي جاءت مستفزة لما استبطن في الوعي الجمعي وأضمرته الذاكرة الشعبية، وبلغة خاصة وعبر صفحات طويلة قدم معاناة الإنسان بكل حالاته، لذلك جاءت الرواية راشحة بالوجع والهم. هاتان الثيمتان اللتان لا تنفكان عن قلم عبده خال. أما (رجاء عالم) الفائزة بجائزة البوكر لهذا العام مناصفة، فلا يمكن أن يجاريها كاتب في قدرتها على ولوج الفضاءات الغنوصية، الأسطورية وهي تنسج عالمها من خيوط رقيقة جدا وشفافة لا يمكن أن تتجلى لغيرها، حيث استلهمت المجتمع المكي الداخلي وقدمته بلغة متساوقة مع غنوصية المعنى، لذلك استقلت بمقروئية خاصة، مبتعدة عن القارئ الباحث عن متعة ناجزة، مستخدمة في ذلك مهملات التراث العربي الاجتماعي واللغوي؛ لذلك استحقت الفوز عن روايتها (طوق الحمام) بجدارة.