معنى التورية في اللغة الإخفاء، (وارى الشيء: أخفاه)، لكن التورية في علم البلاغة تشير إلى معنى مختلف قليلا، فالتورية في الاستعمال البلاغي تعني أن يواري أو يخفي المعنى الظاهر معنى آخر مبطنا. وقد اتخذ بعض الناثرين والشعراء من هذه التورية أداة للعبث اللفظي، فوظفوها للمداعبات بينهم وللفكاهة والهجاء وغيرها من الأغراض. وعلى هذا فإن التورية لا يتذوقها إلا من كان ذكيا لماحا يستطيع بيسر اكتشاف المعنى الخفي المندس تحت المعنى الظاهر كقول أحدهم: (أيها المعرض عنا، حسبك الله تعالى)، فالقائل هنا ينادي ذلك المعرض بأن يقبل عليه وينهي إعراضه، لكن المعنى الظاهر هو تمجيد الله سبحانه. ومن الإخوانيات التي تتداول ما جرى بين الصديقين الشاعرين حافظ إبراهيم وأحمد شوقي: حيث أراد حافظ إبراهيم مداعبة أحمد شوقي فقال: (يقولون إن الشوق نار ولوعة،،، فما بال شوقي اليوم أصبح باردا) فما كان من شوقي إلا أن رد عليه بأبيات منها قوله: (حملت إنسانا وكلبا أمانة،،، فضيعها الإنسان، والكلب حافظ). ومما تختزنه دفات الكتب من أبيات الهجاء التي اعتمدت على التورية، ما أورده عبدالله كنون في كتابه (أدب الفقهاء) من أن الحافظ بن حجر العسقلاني وبدر الدين العيني كانا على غير وفاق، فلما بلغهما أن منارة المدرسة المؤيدية بمصر مالت على برج باب زويلة، انتهز كل منهما المناسبة ليعرض بالآخر من خلال تغنيه بالمنارة، فقال ابن حجر: لجامع مولانا المؤيد رونق منارته بالحسن تزهو وبالزين تقول وقد مالت على البرج: امهلوا فليس على جسمي أضر من العيني فرد العيني بقوله: منارة كعروس الحسن إذ جليت وهدمها بقضاء الله والقدر قالوا أصيبت بعين قلت: ذا غلط ما أوجب الهدم إلا خسة الحجر كلا الشاعرين يدعيان البراءة والتغني المجرد بحسن المنارة والأسف لتعرضها للهدم، لكن الحق هو أن كلا منهما هجا صاحبه ونال منه من غير أن يعطي فرصة لأحد بأن يتهمه بالتعدي أو التجاوز، فأسلوب التورية لايوجد فيه دليل على الهجاء ولا يدرك مراده البعيد سوى العارفين بخفايا الحال، أي أن من مزايا التورية أنها تحمي القائل من الشكاية ضده بتهمة إهانة الغير أو التعدي عليهم. وفي زمننا هذا، حيث كثرت الشكاوى ضد الكتاب ونشطت (جرجرتهم) إلى المحاكم بتهمة التطاول على الآخرين في كتاباتهم، أنصح جميع الكتاب بأخذ بعض دروس التقوية في علم البلاغة والبدء عاجلا بتوظيف التورية في كتاباتهم فهي الوسيلة الوحيدة التي تضمن لهم النجاة عندما يسقطون في أيدي الشاكين، حيث لا دليل على صدق الشكوى. للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة