كشف معالي وزير العدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء عضو هيئة كبار العلماء الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، عن آلية عمل المحاكم في شهر رمضان، كما نفى معاليه في الجزء الأول من حواره مع «عكاظ» ما يدور في بعض الأوساط العامة عن ازدواجية الأحكام وتضاربها، مؤكدا أنه يميل لمنهج المبادئ القضائية ويرى أنه أقرب لتحكيم الشريعة وضبط القضاء من تقنين الأحكام. أشار وزير العدل إلى أن المحاكم العمالية تدرس حاليا لنقلها إلى القضاء العام، مبينا أنها تختلف عن القضاء التجاري لأن قضاة التجاري في منظومة سلك القضاء بخلاف القضاء العمالي، وقال: «إن هذا يرتب علينا عبئا آخر، ومع هذا شرعنا في ترتيب هذا الأمر بالتنسيق مع وزارة العمل، كما شرعنا في إطلاق برنامج تدريبي موسع وشامل للقضاء العمالي». ولفت العيسى إلى أن المحاكم التجارية قائمة منذ ربع قرن من الزمن تحت مظلة قضاء المظالم، مبينا أن انتقالها للقضاء العام سيتم قريبا وهو انتقال مظلة فقط، وشدد وزير العدل على أهمية المحامين مبينا «أنه تم الانتهاء من تراتيب إطلاق برامج متكاملة لتدريب المحامين ضمن مسؤوليتنا في تنفيذ مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير مرفق القضاء».. وإليكم نص الحوار: • بداية، معالي الوزير، هل لديكم آلية جديدة لعمل المحاكم في رمضان؟ عمل المحاكم وكتابات العدل وكافة مرافق الوزارة تتقيد في دوامها في رمضان وغيره بأنظمة الخدمة المدنية، وتعلمون أن ساعات العمل في رمضان تختلف عن غيره بتغير يسير وذلك لدى كافة الأجهزة الحكومية، وهي آلية مناسبة تراعي خصوصية العرف السائد في هذا الشهر الفضيل من قبل عامة الناس من جهة ترتيب قضاء الوقت ليلا ونهارا، وفي هذه المناسبة يحسن الإشارة إلى أننا قبل شهرين كلفنا بعض المحاكم في بعض المدن بالعمل خارج وقت الدوام لمقابلة كثافة أعداد القضايا سعيا لتقليص مواعيد الجلسات وحرصا من جانب آخر على سرعة البت في قضايا السجناء وقضايا الأسرة، كما يحصل أننا نندب بعض أصحاب الفضيلة القضاة مدة ثلاثة أشهر وأحيانا يندب المجلس الأعلى للقضاء القاضي مدة سنة لتعزيز عمل بعض المحاكم. • بين العمل والصوم، كيف يقضي معالي الوزير يومه في رمضان؟ أبدا أخي عبدالله، أجد في الصوم عونا لي على العمل، وأحتسب أي جهد يبذل لخدمة الصالح العام على أنه من العبادة المضافة لعبادة الصوم أسأل المولى جل وعلا أن يتقبل منا صالح القول والعمل، ولا أجدني في رمضان أختلف عن غيره في العمل مطلقا سوى المزيد من الجد والعمل، وما كان الشهر الفضيل منذ أن فرضه الله تعالى وحتى اليوم إلا معينا على الخير ومن أعظم الخير نفع الناس والسعي في مصالحهم خاصة أن عملنا الحكومي هو عقد التزام يقوم على فرضية الأمانة والإخلاص والجد والاجتهاد، يجب علينا أن نكون فيه على مستوى الثقة وأن نحتمل المتاعب والمصاعب أيا كانت، فضلا عن أن هذا الشهر هو كما قلت لكم معين ومحفز، هو شهر عمل وجد واجتهاد لا كسل وركون للراحة وإضاعة الوقت بالملهيات والسهر، ومما يؤسف له أن هذا الشهر الكريم وهو شهر خصه الله بعبادة تمثل ركنا من أركان الإسلام مع ما في لياليه الفاضلة من سنة التراويح، فضلا عن القيام فهو شهر عمل عبادي تستثمر فيه اللحظات إلا أننا نرى مع بالغ الأسف من يسعى لصد الناس عن ذلك فتجد الدعايات قبله بشهر كامل تهيئ الناس فيه للمأكولات وأصنافها التي لا تزيدهم إلا كسلا بل مرضا، أضف لذلك الدعوة لقضاء الأوقات ليس في مجرد المباحات التي يفترض أن تستغل لحظاتها في هذا الشهر بالمسارعة في الخيرات والتزود بالباقيات الصالحات بل في مشاهد مؤسفة عبر بعض القنوات الفضائية التي تحشد لهذا الشهر الكريم شهر الصيام والقيام العديد من الأعمال التي لا تشغلهم عن استثمار هذه الأوقات الفضيلة فحسب، بل تقودهم لمشاهد محرمة تخدش الفضيلة وتتجاوز على حرمة هذا الشهر، وملاك هذه القنوات يسعون لمصالحهم المادية على حساب ذلك كله وهم في هذا على خطر عظيم ولا أخطر من الصد عن الله، وليعلم أولئك أن كل وزر يتحمله من شاهد تلك الأعمال فإن عليهم مثله، ونسمع عن مشاهد مؤسفة تعرض في هذه القنوات، ويزيدنا ألما أنها أعمال مخصصة لهذا الشهر الفضيل، ولا بد من صحوة في هذا الأمر تتضافر لتحذر من هذا المد السيئ الذي يتكاثر باطراد وبسباق محموم على إنتاج هذه الأعمال لتعرض في هذا الشهر شهر العبادة شهر الصيام والقيام، وعوضا عن أن يقدم في هذه الأيام والليالي الفاضلة ما يعين المسلم على العبادة ويقربه من ربه نجد أن هذا المد يسعى جاهدا تحت وطأة سعار المادة وأَز الشيطان لتقديم ما يصرف المسلم عن ربه، والأعظم من هذا كما قلنا ما يعرضه للخطر في دينه، وأسوأ من ذلك عرض ما يسيء للدين، أو يسخر من أهله العاملين به، ومن مؤسساته الشرعية والدخول في مجازفات تتعلق بالعقائد، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا تهوي به في جهنم سبعين خريفا، هدى الله الجميع وأصلح أحوالهم. • تعليقا على هذا، هل تؤيدون أسلوب البعض في أخذ الإجازة في رمضان للتفرغ للعبادة أو لتجنب متاعب العمل أثناء العمل كما هي رؤية البعض؟ لا أؤيد ذلك، وأنصح نفسي وإخواني المسلمين أن يحسنوا النية وأن يحتسب كل منا فيما يأتي ويذر؛ فعمله الذي يخدم المصلحة العامة فيه من الأجر ما لا يقل عن أجر النوافل التي يغلب على الظن أنه أخذ الإجازة من أجل التفرغ لها، مع أننا نشاهد بحمد الله من يعمل في رمضان يقوم بسنة التراويح تحديدا خير قيام والأهم هو ترك الأمور التي تضيع الوقت، وعدم الإكثار من منهكات الجسم من السهر والإكثار من المشروبات والمأكولات، ويوم تقضيه في قضاء حوائج الناس ومصالحهم خير من كثير من النوافل لكن كثيرا من الناس تفوتهم هذه المعاني في فقه الأولويات والموازنات وترتيب المصالح، ولاحظ في آي الذكر الحكيم في سورة البلد حيث حفلت برعاية الناس قبل رعاية النفس يقول الحق سبحانه: «فك رقبة أو إطعام فِي يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة»، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله وأحسبه قال وكالقائم لا يفتر وكالصائم لا يفطر»، وهذا الحديث يجعلنا نضيف أيضا فقه المقاصد لما سبق وفي هذا من الاحتساب ما لا يخفى، وكثير من الملاحم والوقائع في تاريخ الإسلام سجلها تاريخه الناصع في رمضان. • ماذا عن المحاكم المتخصصة (عمالية، تجارية، وأحوال شخصية) متى تبدأ وهل هناك خطة لتدريب القضاة وتأهيلهم للعمل في تلك المحاكم؟ بالنسبة لمحاكم الأحوال الشخصية، صدر بشأنها قرار المجلس الأعلى للقضاء بتحويل محاكم الضمان والأنكحة إلى محاكم أحوال شخصية، وستنقل لها كافة قضايا الأحوال الشخصية التي تنظر في المحاكم العامة، أما المحاكم التجارية فهي كما قلنا مرارا قائمة منذ ربع قرن من الزمن تحت مظلة قضاء المظالم، وانتقالها للقضاء العام انتقال مظلة فقط وهو قريب إن شاء الله، وشكلت له لجنة شارفت على الانتهاء من أعمالها، وهذا كله يجعلنا نقول لا فراغ قضائيا عندنا في السابق، والترتيب الحالي هو ترتيب اختصاصات وإعادة النظر في المظلة الولائية، أما العمالية فهي تدرس حاليا لنقلها إلى القضاء العام، وهي تختلف عن القضاء التجاري لأن قضاة التجاري في منظومة سلك القضاء بخلاف القضاء العمالي، وهذا يرتب علينا عبئا آخر، ومع هذا شرعنا في ترتيب هذا الأمر بالتنسيق مع وزارة العمل، كما شرعنا في إطلاق برنامج تدريبي موسع وشامل للقضاء العمالي، إضافة إلى محاور التدريب الأخرى في كافة التخصصات القضائية، ولا شك أن تعزيز التخصص النوعي مهم للغاية، وهو من أبرز معالم النظام القضائي الجديد، وعندما نقول تعزيز نقصد أن هذا المفهوم موجود في السابق لكن النظام الجديد عزز منهم. • يشتكي الكثير من عدم تنفيذ الأحكام الصادرة لهم وبالتالي ضياع حقوقهم ويرون أن السبب يعود لقلة عدد قضاة التنفيذ المختصين بتنفيذ الأحكام على المماطلين، فهل نرى حلا عاجلا يجبر المتهربين من تنفيذ الأحكام على الالتزام بالأحكام وتنفيذها؟ صدر نظام التنفيذ وهو يحمل في طياته مواد في غاية الأهمية، حيث تحفل بضمانات قوية للتنفيذ من خلال منح قاضي التنفيذ صلاحيات واسعة لم تكن لديه في السابق، وأعتقد أن كافة ثغرات التنفيذ سواء كانت تنظيمية لدى غيرنا أو تطبيقية لدينا ستنتهي تماما، وإشكالية التنفيذ تعاني منها كثير من الدول خاصة من أساليب الاحتيال والالتفاف على الأنظمة واستغلال الثغرات، وسيتم إثر صدور نظام التنفيذ تعزيز قضاء التنفيذ بالمزيد من القضاة إن شاء الله. • القاضي بشر يعتريه ما يعتري بقية الناس من لحظات الضعف والتقصير في عمله، فكيف تنظرون إلى مبدأ محاسبة القاضي؟ وهل ترون أن الإجراء المعمول به حاليا في مجلس القضاء الأعلى يكفي؟ يتميز قضاتنا عن غيرهم أنهم يطبقون أحكام الشريعة الإسلامية وفق منهج هذه البلاد المباركة، فهم في عمل شرعي احتسابي وهذا يجعل لديهم رقابة ذاتية من الداخل، ومع هذا فإن بينهم وبين الرقابة الإجرائية وفق نظام القضاء تعاونا وتفاهما على أعلى المستويات ليصبح التفتيش القضائي لدينا معينا للقاضي في أداء عمله لا عصا مسلطة عليه، وهذا من بركة تحكيم الشريعة الإسلامية التي من الله بها علينا في بلادنا. • اسمح لي يا شيخ محمد ونحن على ذكر الأحكام القضائية، ماذا عن تقنينها وإلى أين وصل؟ ألا تعتقد أن هذا المشروع طال أكثر من اللازم والضحية ازدواجية الأحكام وتضاربها؟ أولا، يكثر الحديث في الأوساط العامة والحقوقية على وجه الخصوص عن ازدواجية الأحكام وتضاربها وهذا ليس بصحيح، فعامة ما يجري التحدث عنه هنا نجد وقائعه تختلف كما نجد أن من يتحدث إنما هو في الحقيقة بعيد عن وقائع الدعوى، وقد أطلعنا كثيرا ممن أتوا إلينا وسألونا عما يظنونه من ازدواجية في الأحكام أطلعناهم على الفوارق بين الوقائع فاقتنعوا تماما، لكن هل يعني هذا أننا سنجلس مع كل واحد في حلقة نقاش نوضح له؟، وفيما يخص تقنين الأحكام القضائية فإني ومنذ زمن أميل بوصفي الاجتهادي الخاص لمنهج المبادئ القضائية لا إلى التقنين -مع أني لست ضده- وذلك أن المبادئ ستكون دون أدنى شك أقرب إلى الحفاوة بأحكام الشريعة الإسلامية وضبط العملية القضائية وأقرب لتقبلها، فالمبادئ تخرج من محضن القضاء بعد مخاض قضائي طويل، والمبدأ كما هو معلوم يمثل نصا أو قاعدة مثل نص التقنين تماما لكن الأول خرج من محضن تحكيم الشريعة الإسلامية ومن أفذاذ القضاء وخبرائه والأدرى بأحكام الشرع في المسائل القضائية، والثاني خرج من المنظم وإن كان حريصا على توخي تطبيق أحكام الشريعة لكنه في الضبط والاحتياط والمعرفة ليس كمن يطبق أحكام الشرع الحنيف في أحكامه القضائية، فحرصا على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية باستقراء دقيق فلن نجد أفضل ولا أسلم ولا أبرأ للذمة من الأخذ بخيار المبادئ وهو ما حفل به نظام القضاء الجديد حيث أناط بالمحكمة العليا تقرير المبادئ القضائية وهو ما يوحي بالتوجه العام للسياسة القضائية للمملكة هذا في قراءتي الاجتهادية الخاصة، وهو كما يقال: إنما أسوقه بحثا وهو قابل للنقاش ولا يعبر عن الرأي الرسمي للمرفق العدلي، فأنا في شأن رأي المرفق العدلي لا أصدر عن رأيي لوحدي بل لا بد من استطلاع ما لدى مسؤولي الجهاز وخذ مثلا المجلس الأعلى للقضاء هو جهاز مؤسسي ينظر في الشؤون الوظيفية للقضاة وليس لرئيسه سوى صوت واحد، ويحصل أن تصدر قرارات المجلس بخلاف رأيي، وزملائي يعرفون ذلك، ولا يسعني سوى التسليم برأي الأكثرية واحترامه والثقة به. • أين وصل مشروع هيئة المحامين وما توجهات وزارة العدل في هذا الشأن؟ سبق أن أوضحنا بأن الوزارة قامت بما يلزمها في هذا ورفعت عن مشروع النظام منذ فترة وهو يدرس حاليا في الدوائر التنظيمية، وتوجهنا أوضحناه في مشروع النظام وهو أن يكون نظاما متكاملا يعزز من ضمانات وأسس هذه المهنة التي نعتبرها جزءا لا يتجزأ من منظومة العدالة، وتحرياتنا حاليا في الترخيص للمحامين لا تقل في الجملة عن تحرياتنا في اختيار القضاة، وعندما نقول ذلك ندرك خطورة هذه المهنة، كما أدركها غيرنا والمحامي في طليعة أعوان القضاء بل هو القضاء الواقف والشريك الأول في إيصال العدالة، وقد أنهينا تراتيب إطلاق برامج متكاملة لتدريب المحامين ضمن مسؤوليتنا في تنفيذ مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير مرفق القضاء.