أكد معالي وزير العدل الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى أن قضاء المملكة سجل رقماً مهمًّا في النزاهة عالميًّا وأن عدد القضاة في المملكة يتخطى المعيار العالمي النموذجي للقضاة. وقال العيسى إننا حين نتحدث عن تطوير القضاء إنما نقصد تطوير الجانب الإجرائي الإداري لا الجانب الموضوعي، لأن الجانب الموضوعي لا جدال في أن مصدره الكتاب والسنة كما ينص على ذلك نظام الحكم. جاء ذلك في محاضرة له بالجامعة الإسلامية مؤخراً بعنوان (القضاء السعودي بين أصالة المنهج ورغبة التطوير) برعاية صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن ماجد بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينةالمنورة وبحضور كثيف من المسؤولين والإعلاميين وأساتذة الجامعة وطلابها. وقسّم العيسى النظام القضائي إلى جانبين: الجانب الموضوعي وهو مادة القضاء ولا يدخله الجدل ولا النقاش أن مصدره الكتاب والسنة وهو مصدر اعتزاز هذه البلاد وهويتها، والجانب الإجرائي وما يتعلق بالتنظيم ويقصد به الحكمة التي هي ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها، مشيراً إلى أن اللبس بين الأمرين سبّب لدى كثير من الناس خلطاً وإشكالات كثيرة، وقال: لا أنسى قبل أكثر من عقدين عندما قُدّم مشروع نظام المرافعات الشخصية اتهمنا البعض بأنه غزو وافد على قضاء المملكة، وهو إجراءات تنظيمية بحتة سبقه بها نظام المحاكم التجارية عام 1350ه في عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله، وكلها تنظيمات وتركيز مسؤليات القضاء الشرعي. وتحدث العيسى عن الأصالة في القضاء السعودي وقال إن الدستور الموضوعي في مواده يعتبر في العرف الدولي دستوراً لكن الدولة من حرصها على مصادرها واعتزازها بشريعتها قالت إن دستورها هو الكتاب والسنة، ونصت الوثيقة الدستورية في عدة مواد على اعتزاز الدولة بثوابتها فلا خشية من هذا الأمر، وقال: “نُريد أن نقدم مشروعاً يجعل القضاء قضاءً عصرياً معتزاً بثوابته، لا أن نتخوف من هذه الأنظمة ونراوح مكاننا”. ونفى الوزير أن يكون لدى المملكة فراغ قضائي وقال: عندما سئلت عن أننا لم نعرف محاكم الاستئناف، أجبت بأننا نعرفها ونتعامل معها لكنها مشمولة ضمن محاكم التمييز، فقد أعدنا صياغة درجات التقاضي ، وليس لدينا فراغ في السابق في المحكمة العليا، فالهيئة الدائمة للمجس الأعلى للقضاء تقوم مقام المحكمة العليا، والمقام السامي يحيل إليها أحكاماً نهائية لأنه القاضي الأول، فلدينا محكمة عليا ولدينا محاكم استئناف، وقلت أيضاً إجابة على ذلك: هل نقول إن الدول التي لا تعرف المحكمة العليا إلا باسم التمييز ليس لديها محاكم عليا؟ منبّهاً إلى أن القضاء السعودي في مفهومه الجديد أعاد صياغة التنظيم ولم ينشئ شيئا يكون سدًّا للفراغ في النظام القضائي. وتحدّث العيسى عن النظام القضائي الجديد وقال إنه شمل إعادة صياغة درجات التقاضي فهناك محاكم الدرجة الأولى وهناك محاكم الاستئناف وهناك المحكمة العليا، منبّهاً على أن المحكمة العليا ليست درجة تقاضي كما يخطئ البعض في وصفها فهي محكمة تعقيب على ما يصدر من أحكام لأن الترافع إليها ليس متاحاً على الإطلاق بل ضمن شروط وضوابط. وقال إن النظام الجديد شمل جانب تفعيل الاختصاص النوعي فالقاضي يجب أن يتخصص نوعاً في أحكامه، فنص النظام على وجود محاكم تجارية وعمالية ومحكمة أحوال شخصية والمحكمة الجزائية، وأما ما يخطئ فيه البعض من وجود محاكم مرورية فهو خطأ فهي مشمولة بالمحاكم العامة ولا يمنع مع مرور الوقت وقيام المقتضي إنشاء محاكم مرورية. وأوضح أن النظام الجديد عالج اللجان شبه القضائية مع تحفظ الوزير على التسمية فهي ذات اختصاص قضائي، وتحمل تخصصا دقيقاً فنياً يحتاج وقتاً لإرساء مبادئه وتفهُّم وقائعه وأحكامه ثم تنتقل إلى القضاء المختص. وقال العيسى إن القضاء بالمملكة يأخذ أسلوب القضاء المزدوج وليس هذا إلا إضافة إيجابية في تصور الكثير، فهناك قضاء إداري تحت مظلة ديوان المظالم، وهناك القضاء العام تحت مظلة وزارة العدل، والقضاء الإداري المستقل يراقب أداء وعمل الولاة ويقصد بهم الإدارات فكل جهة لها ولاية وفق مبادئها واختصاصاتها. وأسهب العيسى في توضيح دخول القضاء الإداري تحت مظلة ديوان المظالم، مؤكداً أن نظام المظالم أدخل فيه أشياء ليست اختصاصات قضائية، وردّ على من قال كيف يكون القضاء التجاري تحت الإداري بقوله: إنه كله تحت مظلة ولاية المظالم التي يسمح مصطلحها الشرعي بإدخال أي اختصاص. وتحفظ العيسى على مصطلح “إصلاح القضاء” وقال إنه مصطلح خاطئ، بل هو تطوير وتحديث، فقضاؤنا صالح ومصلح لكنه وفق معطيات الحكمة والحاجة والعقلانية ينسجم مع أي تطور إيجابي، فالتطور انتقال من طور إلى طور وليس بالضرورة أن يكون الطور التالي إيجابيًّا، فنأخذ ما يفيد ونترك ما يعيب. وأشار وزير العدل إلى أنْ ليس لدينا قضاء استثنائي بل هو كله عادي، واللجان ذات الاختصاص القضائي في مرحلة انتقالية وبعضها لا زال يكابد ويعالج هذه المرحلة ونص المشروع الجديد على معالجة هذه اللجان. واستأثر الحديث عن تدوين الأحكام بقدر غير يسير من محاضرة وزير العدل، وقال إن ثمت مصطلحاً آخر يقوم بنفس المهمة وهو المبادئ القضائية، فتلتقي مع التدوين والتقنين من جهة ضبط الأحكام والقضاء على أي اختلاف بينها. وقد صدر عن مجلس هيئة كبار العلماء بإجازة تدوين الأحكام القضائية وفق آلية معينة رفعت بها الهيئة إلى المقام السامي، وأنا أقيد وفق آلية معينة رفعت بها الهيئة. وأجاب العيسى عن أن البعض قد يقول بأن هيئة كبار العلماء قبل بضعة سنوات أو أكثر تحفظت على تدوين الأحكام والآن أجازته، وقال: إن الهيئة لم تختلف في قرارها الأخير عن الأول لأن المعطيات والمؤيدات والحاجة في ذلك الوقت تختلف وهذا يدل على سعىة أفق الهيئة. وقال العيسى إن المبادئ القضائية هي التي تنشأ في محضن الحكم، فيستقر القضاء على مبدأ يلتزم به كافة القضاة ولا يحيدون عنه ومعنيّ به المحكمة العليا. فإذا انتهت إلى حكم يجب أن يحترم كافة القضاء مبدأها، ومن كان له رأي فيقدمه فتنظر إليه المحكمة وتأخذ بالصواب وتعدِل عن مبدئها، وإلا أعادت الحكم وألزمته بلزوم جادة الصواب والمبدأ. وقال الوزير العيسى: تتبعت وبحثت منذ 15 سنة فلم أجد قاعدة قانونية إلا ولها أصل في الشريعة الإسلامية وأقصد قاعدة صحيحة سلمية لا على إطلاقها، وضرب مثلاً ب”التعسف في استعمال الحق أو الشطط فيه” وقال إن له أساساً في قوله تعالى: (ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا) وقاعدة الضرر والمضارّة، وقد بسط فيها أهل العلم كلاماً كثيرا لم يبلغه أهل القانون وهذا مثبت عندي في بحث علمي. وأكد العيسى أن تدون الأحكام والإلزام بها كان معمولاً به في بعض الصور، وكان يصدر من وزارة العدل (رئاسة القضاة قديماً) ومن مجلس القضاء الأعلى في السابق عندما كان يحتضن الهيئة الدائمة تصدر تعاميم ومن يخرج عنها يساءل بل يوبّخ إذا أصرّ ولم يأت بما يقنع، وهذا صورة من التقنين، ويجب أن نجعل الأمر على جادة واحدة فلا نأخذ بعضاً ونترك بعضاً. وحتى أهل العلم في السابق يعبرون بعبارة وعلى هذا نص أهل زماننا وهو على قاعدة اختلاف الأحكام والفتاوى باختلاف الأمكنة والأزمنة والأحوال وهذا أكبر دليل على أهلية الشريعة وصلاحيتها لكل مكان زمان. وأشار د.العيسى إلى أن النظام الجديد عزز وأكد مبدأ الشفافية، ولا نقول أنشأ مبدأ الشفافية واستقلال القضاء، لأن الشفافية وعلنية الجلسات محكومة بالنظام الصادر عام 1395ه وكذلك استقلال القضاء. وأوضح أنه يقصد بالاستقلال الاستقلال في الأحكام كما نص عليه نظام الحكم، فالقاضي مستقل في الأحكام ولا سلطان عليه في أحكامه، فهو مستقل فيما يصدر من أحكام ولا يؤثر عليه في ذلك. كما تحدث العيسى عن بعض الانتقادات التي توجه لقضاء المملكة وقال: قد حصرت كافة ما تيسر لي من ذلك، ووجدت ما يقارب 80% منها تنتهكها دول غربية وهي تنظيرات مجحفة وتصورات خاطئة، وقد أتانا بعض من نظّر في هذا فوضحت له الأمور فقال لم أكن أعرف، لكن لا يعني هذا أننا سنكون أداة في أيدي الغير يملون علينا الشروط والمرئيات فدولتنا لها سيادة ولها قضاء شرعي مؤسس على الشرع وهو هويتها ومصدر اعتزازها. الوزارة تخطو لتنفيذ هذا المشروع خطوات حثيثة وقد قسمته أقساماً عديدة منها قسم المباني والتجهيزات والقسم التقني، فالمباني والتجهيزات ستكون محاكم عصرية ذكية وقد استفدنا من المباني والرسوم والتصاميم الأجنبية وبنيتها التحتية ووجدنا بعض النماذج القليلة جداً متميزة وأخذنها ووضعنا بصمتنا فيها، وقد أعلنت الوزارة عن أكثر من 30 مبنىً وستعلن في القريب عن 70 مبنىً وأعلنت عن مشاريع حاسوبية وهذه المشاريع بدأت ثمارها فقد أطلقت الوزارة بوابتها الإلكترونية وأصبح بالإمكان تقديم صحائف الدعاوى إلكترونيًّا، ووعملنا ربطاً مع التفتيش القضائي مع المجلس الأعلى، ولدينا طموح كبير إلى المحكمة الإلكترونية التي سيتم الترافع عن طريقها وستكون اختيارية لأن المحاماة لدينا غير ملزمة فلا نلزم شخصاً غير ملزم بتوكيل محامٍ بالترافع عن طريق البوابة وهذا سيعالج قريباً ولو عبر منطقة انتقالية. وقال إن الوزارة تقوم بتزويد المجلس الأعلى بتقارير إحصائية بإنتاجية القضاة والمحاكم، وستزود إمارات المناطق والجهات المختصة بإحصائيات بنوعية القضايا وطبيعتها بما يؤدي إلى علاج مسبباتها. وتحدّث الوزير العيسى عن ما سماه “معضلة يتحدث عنها الجميع وهي تأخير البت في القضايا”، وقال هي مشكلة عالمية فقد تسمعون بين الجلسات في الإعلام ما يقارب سبعة أشهر وهي قضية رأي عام وذات طابع مستعجل ومع ذلك تتأخر، والمملكة حسب الإحصائيات من أفضل الدول في إنجاز القضايا ولا أقول هذا ارتجالاً بل إن بعض الدول الأوربية طالها بعض النقد من منظمات حقوقية على تأخير البت في قضاياها، ولا أعلم أن المملكة انتقدت لتأخير الإنجاز من قبل أي منظمة حقوقية، والمعلومة المؤكدة أننا من أسرع الدول في إنجاز القضايا، وهناك هامش تأخير لا يعالج بالعجلة، لأن عدد القضاة يتجاوزون ضعف المعيار الدولي النموذجي لعدد القضاة، وإذا جمعنا من يدخل في مشمول السلك القضائي والإداري والعام واللجان فإن العدد يقارب الأربعة آلاف قاض، أي 6.7 لكل مائة ألف فهذا معيار نموذجي. وقال العيسى إن مشروع الإصلاح الأسري آتى ثماراً مبهرة، ففي محكمة الضمان والأنكحة بجدة كان عدد حالات الطلاق السنوية للسعوديين مستبعداً منها من راجع زوجته لا يتجاوز 2% وهذه إحصائية قدمها لي رئيس المحكمة والسبب لجنة الإصلاح الأسري. وكشف العيسى عن أن الوزارة تدرس مشروع تكاليف الدعوى، وقال إن القضاء المجاني كان في السابق ميزة إيجابية ولكنه الآن ليس كذلك، وتكاليف الدعوى ستكون على الخاسر والمبطل وكل سيحمد هذا النهج ولو لم يكن فيه إلا تعزير أصحاب الدعاوى الكيدية وترددهم قبل رفعها لكفى، وهناك أرقام وإحصائيات قد تحد ما يقارب 90% من تدفق القضايا على القضاء العام لو كان هناك تكاليف للدعوى، مشيراً إلى أن له أساساً في الشريعة، فمطل الغني ظلم يحل عرضه وعقوبته. وقال العيسى إن كفاءتنا القضائية الشرعية أثبتت قدرتها الكاملة على الاضطلاع بكافة القضايا والتصدي للنوازل الجديدة وهناك بحوث للقضاة تفوقت على كتابات القانونيين، والوزارة معنية بتنفيذ التدريب القضائي ولديها خطة في هذا وكما أنها معنية بالتدريب المتعلق بجانب التوثيق وكتابات العدل، ولدينا اتفاقيات تعاون مع عديد من الدول وسنستفيد منهم في الجانب الإجرائي لا الموضوعي وأنا أؤكد على هذا حتى لا تلتبس الأمور علينا.