الفرق شاسع بين فن الكوميديا التي تبنى على أسس احترافية وموضوعية والأهم اجتماعية مقيدة بضوابط التشريع بمعني ألا تكون من ضمن مواقفها ما يمس التشريعات الربانية بالدرجة الأولى. ما يتم الآن وفق منظومة أنْ لا قيود في الفنون سواء الدرامية أو الكوميدية، وأن الفنان له الحق في التعبير بجميع الوسائل فالفن فضاء لا تقييد له، لا أعراف ولا دين ولا تشريعات! هذا قد يقبل في المجتمعات اللادينية والعلمانية التي فصلت الدين عن الدولة وفق شعار الثورة الفرنسية (ما لقيصر لقيصر وما لله لله)، ولكن في مجتمعنا المسلم! ونحن دولة المادة الأولى من نظامها الحاكم تنص على أن الكتاب والسنة هما دستور المملكة العربية السعودية، وهذا النص يعني أن هذا النظام له مرجعية أعلى منه، والكتاب والسنة ليسا مصدرين للأحكام أو القضاء في النظام السعودي وحسب بل هما الحاكمان عليه والمهيمنان على جميع التنظيمات فيه. إذا حاولنا أن نطبق هذا الإلزام النظامي بعد التشريعي والديني علي ما يتم عرضه في مسلسل (طاش ما طاش) الذي ما فتئ يهاجم هذه المنطلقات فهو لا ينتقد السلوكيات التي بدأ بها في سنواته الأولى وحقق نجاحا في ذلك. لكن ما بعد ذلك بدأ يخسر مشاهديه تدريجيا لأنه أصبح مسموما لا يبث سوى السموم مغلفة في صور فكاهية لا تمت إلى الفن الاحترافي الذي يوجه رسالة حتى لو كان الهدف الأساس هو (زرع البسمة كما يرددون)! ورغم أن هذا المسلسل لم يعد يمثل أي نجاح حتى أن من كان يؤيده ممن يطلقون على أنفسهم (ليبراليين) الآن في مواقعهم ينتقدونه!! وهذا مؤشر لسقوطه المريع. وقد يتحمل المشاهد -ممن يتابعونه- أن تكون السخرية من اللهجات والمناطق مما يثير النعرات القبلية والطائفية (في الوقت الذي تنادي فيه الدولة بمحاربتها)، لكن أن يتجرأ فريق هذا المسلسل على تحدي التشريعات الربانية في محاربة الربا والادعاء بأن الالتزام به أدى إلى خسائر للاقتصاد الوطني!! والادعاء بأن الحكمة من تحريمه كما يقول الممثل القصبي كان (لحكمة لا نعرفها)!! إذا كان هو، أو من كتب له الحلقة لأغراض في نفوسهم لا يريدون أن يوضحوها لأنها ستفسد رسالتهم السيئة الهادفة لتمرير الربا وكأنه قضية خاصة بهذا أو ذاك!! ينسون أنهم هنا يتجرأون على أوامر الله سبحانه وتعالي ولا بد أن يحاسبوا عليها فالقضية لا تمس أفرادًا الآن أو لهجات أو تقليد أشخاص بل أنها تتجرأ على أحكام الله سبحانه وتعالى الذي وضح الآيات الكريمة في تحريمه ولأن الربا كان عصب الاقتصاد في الجاهلية وكان يمس قطاعات وشرائح يستفيدون منه لهذا جاء تحريمه على مراحل توضحها الآيات الكريمة التدرج في تحريم الربا المرحلة الأولى:- ما جاء في سورة الروم وهي مكية نزلت قبل الهجرة ببضع سنين مقرونًا بذم الربا ومدح الزكاة وذلك قبل فرض الزكاة كما في قوله تعالى: «وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ»، المرحلة الثانية:- وهي في قوله تعالى في سورة النساء: «فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا. وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وأعتدنا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا». أي أن الله قد نهاهم عن الربا فتناولوه وأخذوه واحتالوا عليه بأنواع من الحيل وصنوف من الشبه. وهذا تلميح بالتحريم لأنه جاء على سبيل الحكاية عن بني إسرائيل وأن الربا كان محرمًا عليهم، فاحتالوا على أكله، فهو بذلك تمهيد، وإيماء إلى إمكان تحريم الربا على المسلمين كما هو محرم على بني إسرائيل... وفيه إيماء آخر، وهو أنه إذا حرم عليكم الربا فلا تفعلوا مثل فعلهم، فتلقوا من العذاب الأليم مثل ما لقوا لأن هذا السلوك ليس إلا سلوك الكافرين والعياذ بالله. (وما قامت به حلقة المسلسل هو نوع من هذا التحايل). المرحلة الثالثة:- في سورة آل عمران حيث يقول تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ. وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ». أي: يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا في إسلامكم بعد إذ هداكم له، كما كنتم تأكلونه في جاهليتكم. وهذا مفيد لتحريم إلا أنه لم يكن فيه من التهديد والوعيد ما كان في آخر مراحل التحريم وهنا تتضح الحكمة من التدرج إلى أن كانت المرحلة الرابعة والأخيرة:- وفيها جاءت الآيات الكريمة بالحكم الشرعي: «الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ». وهذه الآيات من آخر ما نزل من القرآن الكريم. إن هذه آخر آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم. وقد أجاز الله تعالى فيها أخذ رؤوس الأموال (بشرط أن يتوبوا)، فأين أبطال هذا المسلسل من هذا الوعيد الرباني (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)؟ ** لقد أصدرت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بيانا بشأن تحريم المسلسلات المخالفة للشرع المطهر ومنها مسلسل (طاش ما طاش) موضحة خطورة محتواها وذلك برقم 21685 في تاريخ 7/9/1421 ه فأيننا من تنفيذها؟ أكاديمية وكاتبة [email protected]