أوضح عضو هيئة كبار العلماء الشيخ الدكتور قيس المبارك أن القمر يكمل دورته في أيام معدودة حول الأرض من الغرب نحو الشرق، ليقطع المنازل في زمن قدره الفلكيون بما يقارب 29 يوماً، وغاية الدقة أنه 29,5306 يوما، مبينا أن دورة القمر كما يقول الفلكيون معروفة وثابتة، لا تنقص فتكون 29 يوماً ولا تزيد فتكون 30 يوماً، وإنما تقدر تقديراً، ولذا كان الشهر مختلفاً، فأحياناً يقدر 29 يوماً وأحياناً 30 يوماً، والشارع الحكيم عول في ثبوت دخول الشهر على رؤية الهلال، فالرؤية أمر مشهود محسوس، صورته واحدة، وهي المشاهدة، بخلاف الحساب الذي له صور شتى، واختيار صورة منه دون غيرها تحكم لا يصار إليه إلا بمرجح، فضلا عن أن اختيار طريقة من هذه الطرق الفلكية دون غيرها لن يكون محل اتفاق. وأضاف: مثال ذلك أن ما ذكره الفلكيون، وهو أن المحاق وهو ولادة الهلال في اصطلاح علماء الفلك ستقع قبل مساء الخميس التاسع والعشرين من شعبان لهذا العام، ولذا فإن رؤية الهلال ستكون ممكنة في أمريكا الجنوبية، ولن يرى شرقها إلا يوم الجمعة، بسبب اختلاف المطالع، فالمطالع مختلفة باتفاق الفقهاء، وإنما اختلفوا في اعتبارها، ولذا فإن من يرى العمل باختلاف المطالع فإنه يرى ألا يصوم أهل كل بلد حسب رؤيتهم، ومن لم ير الأخذ باختلاف المطالع كالمالكية فإنهم يرون أن رؤيته في بلد يكفي لدخول الشهر، فالأمر أيسر من أن نتخذ هذا الخلاف سببا للتخالف. وزاد «يلاحظ أنه يجب التثبت من شهادة الشهود على رؤية الهلال، فقد قال أبو الوليد الباجي: (فيعتبر فيه من صفات الشهود وعددهم واختصاص ثبوته بالحكام، ما يعتبر في سائر الشهادات)، فيجب أن تخلوا الشهادة عما يوجب إسقاطها من موجبات إسقاط الشهادة، وهذا يعني أنه يقدح في شهادته كل أمر تسقط به الشهادة، فترد الشهادة إذا فقدت صفة من الصفات الواجبة فيها، وترد الشهادة كذلك إذا خالفت المشهود المحسوس، بل وللقاضي أن يرد الشهادة بعلمه إذا علم بطلانها أو مخالفتها للحس، وهذا مجمع عليه كما قال ابن عبد البر». وقال المبارك: في مسألتنا فإن القاضي، وإن حرم عليه في القضاء أن يقضي بعلمه، غير أن الواجب عليه أن يتحرى في الشهادة، ويبحث عن أحوال الشهود، وله أن يستند إلى علمه في تعديلهم وفي تجريحهم، وفي رد شهادتهم إذا خالفت المحسوس والمشهود، وكذلك إذا خالفت المقطوع به من دلالة علم الحساب ومنازل سير القمر، على عدم إمكان رؤية الهلال، فترد شهادتهم إذا كانت الرؤية مستحيلة عقلا أو عادة، فتجريحه للشهود أو تعديله لهم، ليس من باب القضاء، وإن توقف القضاء عليه، فمن واجبات القاضي أن يتثبت من نظر الشاهد وحدة بصره، ومن معرفته بمطالع القمر ودرجة ارتفاعه فوق الأفق وانحرافه، ذلك أن الشاهد لو شهد أنه رأى الهلال وكان ذلك قريبا من كبد السماء، أو منحرفاً إلى غير جهة المغرب، أو في اليوم السابع والعشرين، فهذا يحكم ببطلان شهادته، لأنه إن كان ثقة وعدلا، فلا شك في أنه واهم، فقد يكون رأى نجماً آخر أو كوكباً غير الهلال، أو غير ذلك، فالعين قد تري الإنسان ما لا حقيقة له، وقد قال الأخطل: كذبتك عينك أم رأيت بواسط غلس الظلام من الرباب خيالا فهو لم ير الرباب ولا خيالها, ومن طريف ما رواه ابن خلكان قوله: (تراءى هلال شهر رمضان جماعة فيهم أنس بن مالك رضي الله عنه وقد قارب المائة، فقال أنس: قد رأيته، هو ذاك، وجعل يشير إليه فلا يرونه، ونظر إياس إلى أنس، وإذا شعرة من حاجبه قد انثنت، فمسحها إياس، وسواها بحاجبه، ثم قال له: يا أبا حمزة، أرنا موضع الهلال! فجعل ينظر ويقول: ما أراه ). فمنع الفقهاء العمل بالحساب في ثبوت الشهور، لا يعني إلغاء العمل بالحساب، فالعمل بالحساب جاءت به الشريعة، فهو علم مطلوب ومحتاج إليه في كثير من المسائل، مثل معرفة مواقيت الصلاة وغيرها، فكيف لا يكون مطلوباً في إبطال الشهادة إذا خالفت الحسابات الفلكية المقطوع بها.