شخص عدد من المشايخ الموقف الشرعي لرؤية الأهلة من الناحية الشرعية والفلكية وأشاروا في تصريحات ل(الجزيرة) أن اختلافَ مطالع الأهلة بين البلدان والأقاليم أمر متقرِّر عند أهل الشأن لافتين إلى ان استخدام المراصد الفلكية والاستعانة بها في تحديد مكان الهلال ورؤيته أمر جائز لا حرج فيه، استنادا إلى فتوى صادرة بذلك من هيئة كبار العلماء. في البداية أوضح الشيخ الدكتور قيس بن محمد المبارك عضو هيئة كبار العلماء أن حكمة الله تعالى اقتضت أن يُجْريَ الشمس والقمر على نِظَامٍ وَاحِدٍ بسير منتظم غاية في الدقة، فالقمر يجري في فلك خاص به، ويسير سيراً سريعاً في هذا الفلك ليقطع ثمانية وعشرين منزلا، ليكمل دورته في أيام معدودة حول الأرض من الشرق نحو الغرب، فيقطع المنازل في زمن قدَّره الفلكيون بما يقارب (29) يوماً، بل ذكروا أنه غايةً في الدِّقة، قالوا: هو (29) يوما و(12) ساعة و(44) دقيقة وثانيتان و(87%) من الثانية، فدورةُ القمركما يقول الفلكيون معروفة وثابتة، لا تنقص إلى مقدار (29) يوماً ولا تصل إلى (30) يوماً، كما يظنُّ بعضهم، وإنما تُقدَّر تقديراً، ولذا كان الشهر مختلفاً، فأحياناً يُقدَّر (29) يوماً وأحياناً (30) يوماً. وخلال هذا السير فإن القمر في نهاية كلِّ دورةٍ يُحاذي الشمسَ ويصير بينها وبين الأرض، فيكون في طور الاقتران، لأنه قارنَ الشمس والأرض على خط مستقيم، وصار وجهُهُ المقابل لجهة الشمس منيراً لانعكاس أشعة الشمس عليه، ويكون وجهُهُ المقابل لجهة الأرض مظلماً، فيختفي فلا يُرى منه شيء، وكأنه يستتر عن الأعين، ويُسمَّى الاستسرار، فيقال لآخر الشهر: السَّرَر، لاستسرار القمر فيه، ويطلق على هذا الطور طور الاقتران أو الاسْتِسْرَار، ويُسمى حينئذ مُحاقاً. ثم يبدأ القمر في مفارقة الخط المستقيم بين الأرض والشمس، فيخرج عن طور اجتماعه على مستوى سطح واحد معها ومع الأرض، فيتحرَّك شرقاً لينتقل من طور المحاق إلى طور الهلال، حيث إن الجزءَ الذي يظهرُ منه يصيبه ضوءُ الشمس وأشعتُها، فينعكس مِن الجزء الذي أصابته أشعَّةُ الشمس نورٌ يُرى مِن الأرض على شكل عُرْجُونِ النخلة الرفيع.،كما قال تعالى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} (ويُسمَّى حينها هلالا، أَخْذاً مِن استهلال الناس برفع أصواتهم عند رؤيته. وأضاف الشيخ المبارك: يزداد اتِّساع النور المنعكس من القمر كلَّما ازداد الافتراق، حتى يكتمل بعد أربع عشرة ليلة فيصير قمراً مكتملاً ويسمَّى بدراً، ثم يعود لإكمال دورته، فيبدأ النور في التناقص مع اقتراب القمر من خط الشمس مع الأرض، حتى يصير بعد أربع عشرة ليلة في مرحلة المحاق، وهكذا يستمرُّ دوران القمر، فتنتظم السنةُ اثْنَتَي عَشْرَةَ دورة، وكل دورة بين هلالين (ولك أن تقول بين هلال وإكمال العدَّة) تُسمَّى في الشرع شهراً. فبداية الشهر شرعاً هي تحقُّق الرؤية البصرية، لدلالة النصوص على ذلك، سواء كانت الرؤية بالعين المجردة أو بالمنظار، فهي لحظة ظهور الهلال أي رؤيته واشتهاره بين الناس بعد خفائه، ويكون ظهوره عادة بعد الاقتران بزمن يسير، وتسمَّى لحظة ظهوره في الشرع: ولادة الهلال، لأنه يشبه المولود حين يخرج إلى الدنيا. وقد ذكر علماء الفلك أنَّ المحاق يوم الإثنين 29أغسطس قد حصل، وأنَّ رؤية الهلال ممكنة في أمريكا الجنوبية وفي جنوب أفريقيا، فاستناداً إلى هذا فإنَّ من عيَّد يوم الأربعاء فعيده صحيح، لأن المحاق قد حصل والرؤية ممكنة في أغلب الأرض، ومن عيَّد يوم الثلاثاء فعيده أيضاً صحيح، عملا بما عليه الإمام مالك وغيره، أنَّ الهلال إذا رؤيَ في بلد عمَّ الحكم لجميع البلاد، فقد وسَّع الله علينا وخفَّف، وجعل الشهر يُقدَّر تقديراً تقريبياً، بل اكتفى من ذلك بشاهدين تخفيفاً على عباده، ولم يلزمهم ما فيه تكلُّف، والأمر لا يستدعي إثارةً وتشويشاً على الناس. ورأى الدكتور سعد بن تركي الخثلان عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية نائب رئيس الجمعية الفقهية السعودية أن ما أثير من التشكيك في ثبوت دخول شهر شوال لهذا العام تأتي الإجابة عليه من ناحيتين: - من الناحية الشرعية ومن الناحية الفلكية، أما من الناحية الشرعية فلا إشكال في ثبوت دخول شهر شوال شرعا؛ حتى على تقدير وجود خطأ في رؤية الهلال فإنه إذا أعلن عن رؤية الهلال وثبوت دخول الشهر كان هلالاً شرعاً وترتبت عليه الأحكام الشرعية، وإن وجد خطأ في نفس الأمر، وإن أعلن عن عدم رؤية الهلال لم يكن هلالاً شرعاً، وإن كان قد استهل في حقيقة الأمر..، ويقرر هذا المعنى الإمام ابن تيمية رحمه الله حيث يقول: - (وأصل ذلك أن الله سبحانه وتعالى علق الحكم بالهلال والشهر فقال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} والهلال اسم لما يستهل به: أي يعلن به ويجهر به، فإذا طلع في السماء ولم يعرفه الناس ويستهلون لم يكن هلالا. وكذا الشهر مأخوذ من الشهرة فإن لم يشتهر بين الناس لم يكن الشهر قد دخل، وإنما يغلط كثير من الناس في مثل هذه المسألة لظنهم أنه إذا طلع في السماء كانت تلك الليلة أول الشهر سواء ظهر ذلك للناس واستهلوا به أو لا. وليس كذلك؛ بل ظهوره للناس واستهلالهم به لا بد منه؛ ولهذا قال النبي- صلى الله عليه وسلم- (صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون) أي هذا اليوم الذي تعلمون أنه وقت الصوم والفطر والأضحى. فإذا لم تعلموه لم يترتب عليه حكم. (مجموع الفتاوى 25/203)، وهذا التقرير يريح كثيرا ويطمئن الناس على صحة صومهم وفطرهم على مدى الأعوام، وهو يتفق مع يسر هذه الشريعة ورفعها الحرج عن المكلفين {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ}. وأما من الناحية الفلكية فإن المعاييير المتفق عليها بين الفلكيين متحققة في هلال شوال هذا العام1432ه فهلال شوال قد ولد صباح يوم الاثنين (السادسة و4 دقائق صباحا) ولم يغرب الهلال قبل الشمس في ذلك اليوم، وإنما يبقى النظر في مقدار مايمكثه الهلال بعد غروب الشمس ليمكن رؤيته، وهذه المسألة تقديرية، ولهذا لم يتفق فيها الفلكيون على معيار موحد، وقد يشترك مع الفلكيين في هذا التقدير أطباء العيون وتقدير أقصى حد يمكن أن يصل إليه النظر بالعين المجردة، والإمام ابن تيمية- رحمه الله- تعرض لهذه المسألة وقال: (إذا كان بعده - أي الهلال- مثلا عشرين درجة فهذا يرى ما لم يحل حائل، وإذا كان على درجة واحدة فهذا لا يرى، وأما ما حول العشرة فالأمر فيه يختلف باختلاف أسباب الرؤية (مجموع الفتاوى 25/186) ومتوسط الدرجة: أربع دقائق، ومعنى كلام الإمام ابن تيمية رحمه الله:- أن الهلال إذا كان على عشرين درجة فهذا يرى أي إذا كان يغرب الهلال بعد الشمس ب80 دقيقة تقريبا فهذا يرى، أما إذا كان على درجة واحدة فهذا لا يرى، أي إذا كان الهلال يغرب بعد غروب الشمس بأربع دقائق فهذا لايرى، أما إذا كان يغرب على عشر درجات فالأمر فيه يختلف باختلاف أسباب الرؤية أي إذا كان الهلال يغرب بعد الشمس ب40 دقيقة فقد يرى وقد لا يرى بحسب صفاء الجو.. ونظرا لعدم الاتفاق على معيار واحد فقد أخذ تقويم أم القرى في المملكة العربية السعودية بقاعدة أنه إذا غرب القمر بعد الشمس ولو بدقيقة واحدة فيكون الشهر 29 يوما، وإذا غرب قبل الشمس ولو بدقيقة واحدة يكون الشهر30 يوما، وبناء على ذلك اعتبر تقويم أم القرى شهر رمضان هذا العام 1432ه تسعة وعشرين يوما لكون القمر يغرب بعد الشمس بثلاث دقائق في مكةالمكرمة.. والحاصل أن ثبوت دخول شهر شوال وكون العيد يوم الثلاثاء لا إشكال فيه شرعا.. لافتا إلى ان هذا الموضوع قد عني بالاهتمام الشخصي من خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله وأطال في عمره على طاعته - فقبل سنوات وجه حفظه الله بأن يجتمع لديه عدد من المسؤولين والمشايخ والفلكيين ووجه بالعناية بهذا الموضوع، ومنذ ذلك الحين ويخرج عدد من اللجان من الفلكيين في عدة مناطق من المملكة لتكون عونا للمترائين في ضبط رؤية الأهلة خاصة في المناطق التي هي مظنة لرؤية الأهلة، وفي هذا الصدد أوصي بأن يكون للمحكمة العليا موقف معلن من شهادة الشهود الذين يرفضون الانضمام لهذه اللجان رغم دعوة اللجان لهم بذلك؛ لأن انفرادهم ورفضهم الانضمام للجنة يثير الشبهة حول شهادتهم..، كما أوصي بأن يؤكد المجلس الأعلى للقضاء على جميع القضاة بالانضمام لهذه اللجان وأن يرفق في الوقت نفسه - مع ما يرفعه القاضي للمحكمة العليا من إثبات شهادة الشاهد - محضرا من اللجنة المشكلة من المترائين والفلكيين جميعا.. ولفت الدكتور هشام بن عبدالملك آل الشيخ عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء أن لديننا الإسلامي الحنيف مع حساب الزمن موقفا واضحا؛ إذ ربط ذلك بالهلال والأشهر الهلالية، فربط به الحساب وتقدير الأوقات في أمور الدين والدنيا والتشريع، {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}، لقد قدر الله بمنّه ولطفه القمر منازل، وجعل له أحوالاً من الإهلال والإبدار، لنعلم عددَ السنين والحساب، فجاءت كثير من الأحكام والتشريعات مرتبطة بالأوقات، فقال تعالى في شأن الصلاة: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً}، وقال تعالى عنها: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً}، وقال تعالى عن الصوم: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، وبين سبحانه أن الأهلة مواقيت للناس، قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}، وقال تعالى عن زكاة الزروع والثمار: {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}، وقال تعالى عن أقل مدة يمكن أن تحمل فيها المرأة مع إتمام مدة الرضاعة: {وَحَمْلُهُ وَفِصَلُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً}، وقال تعالى عن عدة اليائس ومن لا تحيض {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ}، فكل هذه عباداتٌ وأحكام موقوتة في مواقيت محدودة، مرتبطة بالزمن. وارتباط حسابِ الزمن بالأهلة فيه يسرٌ وسهولةٌ على العباد، فحدد الشرع لأوقات العبادات علاماتٌ واضحة، لا يختص بمعرفتها فئة من الناس دون فئة أخرى، بل يشترك في إدراكها والعلم بها العامة والخاصة، فلم ترتبط بوسائل غامضة ولا بتقنيات تكنولوجية معقدة ولا بحسابات دقيقة، بل أُنيطت بأمور محسوسة، وعلامات مشاهدة، وكواكب سيارة، يعرفها المتعلم والأمي، والحاضر والبادي، ويهتدي بطلوعها وغروبها المكلَّفون أجمعون، من رؤيةٍ وطلوع وغروب وظلٍّ وزوال. لقد أُنيط ضبط كثير من الأمور الموقوتة المتعلِّقة بالعبادات والمعاملات بما تدركه عقول عموم المكلَّفين، وما جرت عليه عاداتهم، ولم يكلَّفوا في شؤونهم العامة قوانين دقيقة، ولا مقاييس لا يدركها إلا مختصّون أو قلة من المختصين، والسر في ذلك أن مزيدَ التدقيق في التوقيت تضييق وحرج، فإذا ما دقّت وسائل التوقيتات ضاق الحال على المكلَّفين. من أجل هذا كان مدار الأحكام والتعاملات على أمور ميسَّرة يعرفها العامة والخاصة، وبناءً على ذلك فقد علَّق الشارع الأحكام المرتبطة بالأشهر على الأهلة بإحدى طريقتين: إما رؤية الهلال، وإما إكمال العدة ثلاثين، وهما طريقتان ميسّرتان، يعرفهما عموم الخلق، فهو ربط بأمر محسوس، يستوي في إدراكه جميع البشر، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غُمّ عليكم فاقدروا ثلاثين) أخرجاه في الصحيحين، وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غمَّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين) رواه مالك وأبو داود والترمذي والنسائي. والشهر الهلالي يكون تارة ثلاثين يوما، وتارة تسعة وعشرين يوما، ففي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشهر يكون تسعاً وعشرين، ويكون ثلاثين، فإذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غُم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين) أخرجه الشيخان وغيرهما. وأصحّ المعلومات ما شوهد بالبصر، وسمِّي الهلال هلالاً لظهوره وبيانه، والحكم مبنيٌ على رؤية الهلال بالبصر، لا على ولادته، ولا على وجوده في السماء، فإن لم يُرَ بالبصر أكمل الناس عدةَ الشهر ثلاثين يوماً، ففي الحديث الصحيح: (فإن حال دونه غمامة فأتموا العدة ثلاثين)، وهو توجيه جليّ، لأن الهلال إذا لم يُر بسبب حائلٍ من غمام أو غبار فإن المطلوب إكمال ثلاثين يوماً، ولا يتكلّف المسلمون أكثر من ذلك. والرؤية شيء حسِّيّ عملي، وليست فكراً ولا حساباً، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: «وكان من هديه- صلى الله عليه وسلم- ألا يدخل في صوم إلا برؤية محقّقة أو بشهادة شاهد واحد، فإن لم يكن رؤية ولا شهادة، أكمل عدة شعبان ثلاثين يوماً» انتهى كلامه رحمه الله. وأوضح آل الشيخ: قد تواترت الأحاديث بالأمر بالصيام إذا رؤي هلال رمضان، والفطر إذا رؤي هلال شوال، وإتمام العدة ثلاثين إذا لم يُر الهلال، فالحكم متعلّق بالرؤية، كما أن علم الحساب قديم وكان النبي صلى الله عليه وسلم من أعلم الناس بالحساب وكذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وغيره كثير من الصحابة الكرام كانوا يعلمون الحساب ومع ذلك لم يعتمدوا عليه في دخول الشهر وخروجه وذلك لعلمهم أن الشرع الحكيم أناط دخول الشهر بالرؤية البصرية. ثم لنعلم أن استخدام المراصد الفلكية والاستعانة بها في تحديد مكان الهلال ورؤيته أمر جائز لا حرج فيه، وقد صدرت فتوى بذلك من هيئة كبار العلماء في هذه البلاد المباركة وذلك لأن الرؤية من خلال المرصد الفلكي رؤية بالعين. إن اختلافَ مطالع الأهلة بين البلدان والأقاليم أمر متقرِّر عند أهل الشأن، ولكن أهل العلم رحمهم الله اختلفوا إذا رؤي الهلال في بلد أو إقليم فهل يلزم جميع البلدان الصيام؟ فذهب جمهور أهل العلم إلى أن لكل قوم رؤيتهم، وذهب طوائف من أهل العلم إلى القول بلزوم الصوم على الجميع، والأمر في هذه المسألة واسع، والاجتهاد فيها فسيح، غيرَ أنه لا ينبغي التهويل ولا الإرجاف في أن اختلاف الأقطار الإسلامية في يومي الصوم والإفطار مدعاة للتفكّك والنزاع، فالدعوة إلى وحدة المسلمين واتحادهم أمرٌ غير مختلَف عليه، بل ومن أعظم المطالب الشرعية، وينبغي على أهل العلم والدين والفكر والرأي تكريس الجهد وتكثيف العمل من أجل هذه الوحدة العظيمة، ولكنَّ اختلاف المسلمين في يوم صومهم ويوم فطرهم لا أثر له في هذا المطلب السامي، لأن المسلمين كانوا متّحدين مع اختلافهم في وقت دخول الشهر وخروجه، فهذا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوافق معاوية رضي الله عنه في الشام في يوم الدخول ولا في يوم الخروج، ولم تتفرّق القلوب، ولم يتشتّت شملُ الأمة الموحدة. أخرج مسلم في صحيحه عن كريب مولى ابن عباس رضي الله عنهما: (أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ رضي الله عنها بَعَثَتْهُ إلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنهما بِالشَّامِ، قَالَ: فَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا، وَاسْتَهَلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ، فَرَأَيْنَا الْهِلَالَ، يَعْنِي لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ، فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ الْهِلَالِ، فَقَالَ: مَتَى رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ؟ فَقُلْتُ: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: أَنْتَ رَأَيْته؟ قُلْت: نَعَمْ، رَآهُ النَّاسُ، وَصَامُوا، وَصَامَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ، فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ، أَوْ نَرَاهُ، فَقُلْت: أَلَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؟ فَقَالَ: لَا، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم).