الكلام: حالة صعود إلى جبل كبير، قد تنزلق الخطوة فنرتد إلى قاع الألم، وقد نمضي في صعودنا بأثقال تختلقها مواجعنا مع الهواء اللاسع للوحدة. هناك حالة تشبع لذة الحياة وهي البكاء. حين نبكي لا نحتاج إلى رهبة الصعود أو لألم المسافة إلى قمة الجبل ولا إلى الكلام. بعض الذين نحبهم لا يخطئهم القلب، يفتحون له أرضا مريحة ومساحة خضراء، لا تنبت فيها الأشواك، وفي حضورهم تتورد الشمس، وتشرق في القلب ابتسامة بكر. والبعض الآخر يمتص منا رحيق المتعة ويتركنا مثل الضباع المشردة في صدور القرية، تطاردنا بنادق الخوف .. أينما اتجهنا، والمثير للسخرية أنهم يتغنون جيدا بالأمل ولكائنٍ بائس يدعى بالوفاء، نبرتهم المألوفة تدفعنا إلى ردهات التصديق لأي شيء يقولونه. الكلام شهقة الروح، وشغف الصدور الممتلئة بالسر والصخب. هو سكرة تتماهى فيه أجسادنا لأجلٍ غريب. وذات ضياع يستلنا من ذاتنا ويوهمنا أنا اهتدينا إلى قدسية الصلاة والطفولة. لكنه لا يعطينا أكثر مما يأخذ، حتى لو بدا مسلما يستكين للضفة الأخرى حيث يتعايش الألم والوحدة مع الحب والرفاهية. لماذا نصدق أننا حين نتكلم، نقول ما نعنيه فعلا؟..هل لأننا نهرب إلى داخل الآخرين، إلى رؤيتهم للأشياء التي تحدث لنا نحن .. كي ننسى هزائمنا المستورة أمام موقف حاد التأثير، كغدر قريب أو سخرية نتنة في فم الجارات الأميات. بعض الكلام يشذب أغصاننا الميتة، ولكن بعض الكلام أيضا يضرم نارا قديمة ظنناها قد نست طريقها إلى صدوعنا المواطنة، أو كآبتنا الانفرادية. ولولا الملامة لقلت: أن أقل ما نملك حقه في الوطن الذي يسكن ملامح شكوانا هو أن نتأبط صوته حين نتكلم، وحتى حين نبكي ونحن ننكر قوته الغريبة في احتواء نقائضنا الغريبة مع الحياة. منى مرسل