العلاقة بين رجال الحسبة أو بما يعرف برجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبين أفراد المجتمع خاصة الشباب يشوبها نوع من التوتر والشك والريبة ويقابلهم معظم الشباب بالنفور وعدم الارتياح. وفيما اعتبر رجال الحسبة إرشادهم للشباب واجبا دينيا ،اعتبره الشباب نوعا من الوصاية والتضييق عليهم. «عكاظ» استطلعت آراء مجموعة من الشباب والفتيات في عدد من مهرجانات الصيف ليس آخرها مهرجان صيف أرامكو، وقد جاءت آراؤهم على النحو التالي: ياسر محمد (مصور): لم نعد نجد تلك المضايقات التي كنا نلاقيها في الماضي من رجال الهيئة خاصة أثناء أداء عملنا كمصورين فوتوغرافيين ليس في صيف أرامكو فحسب بل في معرض الكتاب الأخير ومعرض التعليم العالي حيث سجلوا حضورا مميزا وكانوا أكثر رقيا في تعاملهم معنا وإرشادهم لنا. يسلمون علينا عبدالله البطي: كنا في الماضي نشعر بتوتر عندما نشاهد رجال الهيئة لكن الوضع اختلف الآن فأصبحوا يستوقفوننا ويسلمون علينا ويسألوننا عن أحوالنا قبل أن يسألوا عن أسباب تواجدنا وعند معرفتهم أننا قادمون لأداء مهمة عمل يشدون من أزرنا ويدعون لنا بل ويعرضون علينا المساعدة ويضيف البطي ضاحكا: «من التغير الواضح الذي طرأ على علاقتي برجال الهيئة، أصبح لدي أمنية أن أرتدي البشت وأسير معهم فقد طبقوا التعاليم الإسلامية كما ينبغي أن تكون عليه مهمة رجال الحسبة». تبادل أرقام الجوالات علي الشايقي (أحد المعاقين): لن أوفي رجال الهيئة حقهم سواء في الماضي أو الحاضر ولكن في الوقت الحالي أصبح هناك تغير لا يخفى عن الأعين بل إننا كونا علاقات معهم وتبادلنا معا أرقام الجوالات، بل عندما يشاهدنا رجل هيئة يستوقفنا ويدعو لنا بأن لا يحرمنا الله أجر الصبر على الإعاقة ويعرض علينا المساعدة والكلمة الطيبة صدقة..أسأل الله ألا يحرمهم أجر ما يقومون به. راشد العقيل (مصور فوتوغرافي): كما ترين تحدثت إلى عدد من رجال الهيئة بكل حرية بل والتقطنا صورا لهم ولم يعترضوا كما كان في السابق، ولقد وجدت المعاملة ذاتها في معرض الكتاب حيث كنا نؤدي مهمتنا بكل حرية، وإن كانت هناك سلبيات، لم تعد كما في السابق وأعتقد أن الأخطاء كانت ترتكب من باب العناد لرجال الهيئة -أحيانا-. وليد الهزاع: حضرت ملتقى الشباب في الخبر وقد سجل رجال الهيئة حضورا لافتا لدرجة أن الزوار أصبحوا هم من يأتون إليهم. تركي اليحي: بالنسبة لي لم أواجه أي موقف مع رجال الهيئة، وإذا كان هناك تعرض، فلماذا لا يكون الشباب هم من أخطأ، بمعنى لماذا نجعل رجال الهيئة دائما في قفص الاتهام. منصور العميرة: أعلم أن هناك من يرفض وجود رجال الهيئة ولكن بالنسبة لي أرى أن وجودهم مهما ويشعرك بالأمان خاصة إذا كنت بصحبة العائلة. محمد العويس: لنعترف أن هناك قلة من الشباب والفتيات يرفضون وجود رجال الهيئة لغاية في أنفسهم، ولكن الأغلبيه أصبحوا الآن يؤيدون ويرغبون في وجودهم. فاتن (ربة منزل): حقيقة لم أجد ذلك التغيير الذي يقال عنه إلا بشكل بسيط إذ مازلنا نجد عددا من رجال الهيئة يوجهون الاتهام للآخرين دون وجه، ولكن في صيف أرامكو ومعرض الكتاب لم نسمع عن السلبيات التي كنا نعايشها في المهرجانات سابقا. طرفة (طالبة ثانوية) وشقيقتها غيداء (طالبة إدارة أعمال): أصبح لرجال الهيئة دور إيجابي أكثر من السابق بل إن تعاملهم مع النساء أصبح أكثر مودة واحتراما لدرجة أن الفتاة تخجل من طريقة نصح رجل الهيئة لها فتتقبله بكل رحابة صدر. آمال: لم أشاهد أو أسمع ما يتم تداوله من معاملة سيئة من رجال الهيئة سواء في السابق أو الحاضر، ولهذا لا أرى أي تغيير قد طرأ على دورهم، وإن وجدت سلبيات تكاد لا تذكر. أبرار: من خلال حضوري عددا من المهرجانات كمعرض الكتاب ومعرض التعليم العالي وصيف أرامكو شاهدت رجال الهيئة ينصحون الناس بكل احترام، وعندما يرون امرأة ترتدي زيا غير محتشم، يوجهونها بشكل لايلفت النظر لدرجة أن السيدة تنفذه دون اعتراض بل تدعو لهم، والموقف ذاته بالنسبة للشاب. رأي من الهيئة الدكتور أحمد السعيد (أحد رجال الهيئة): بطبيعة الحال نعتبر الحسبة أمرا دينيا لا مناص منه ولكن نطبق أمر الله بالكلمة الحسنة، وإن كانت هناك سلبيات في الماضي من قبل البعض فهذا لا يعني أن جميع رجالنا في مثل هذه الصور السلبية، ولعل حرص رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبداللطيف آل الشيخ وتوجيهاته المستمرة، قد ساهمت بشكل فعال في نشر ثقافة التعامل الحسن مع الآخرين، وما زلنا نجد سلبيات من بعض الشباب والفتيات ولكن الذي لاحظناه أننا عندما ننصحهم فإن عددا منهم يشعرنا بالخجل للطافة تعامله معنا وتنفيذه النصيحة. حوار شعبي الدكتور عبدالله الكعيد (كاتب في صحيفة الرياض): شخصيا لا أعول كثيرا على لغة الوعظ التي تستخدمها بعض وسائل الاتصال ومنها التلفزيون أو الصحافة، ولهذا لا قيمة لمحاولة تأصيل لغة التواصل والحوار إعلاميا بين رجال الحسبة وفئة الشباب، إنما يفترض أن يكون هناك حوار شعبي في مختلف مناطق ومدن ومحافظات المملكة، بمعنى أن يجلس الشباب ورجال الحسبة في حوار مستمر برعاية مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ولا يكتفى باللقاء السنوي الوحيد الذي تشارك فيه النخب، إذ لابد من النزول لمستوى العامة، وأنا على يقين أن حوارا كهذا قد يزيل الاحتقان المتزايد بين رجال الحسبة وفئة الشباب الذين يتم التضييق عليهم ومراقبتهم أينما تواجدوا. ويضيف الكعيد: في بداية تسلم الرئيس الجديد لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمهامه وبعد تصريحاته الأولى المطمئنة، استبشر المجتمع بتغيير سيطال الهيئة وأسلوب تعامل رجالها مع كافة شرائح المجتمع وبالفعل سارت الأمور في البداية بشكل معقول إلا أن الوضع انتكس بعدما وقعت عدة أحداث سلبية شارك في صنعها رجال الحسبة آخرها حادث بلجرشي. والمطلوب الآن ليس مزيدا من التطمينات بل إيقاع العقوبات على من ثبت تجاوزه التعليمات من رجال الحسبة. لغة الحوار والتواصل الإيجابي الدكتور عبدالله الشع?ن أستاذ ا?جتماع والجريمة المساعد يقول إن جهود الهيئة كإحدى وسائل الضبط الاجتماعي للوقاية من الجريمة والانحراف في المجتمع واضحة، ومن المهام الرئيسية للهيئة إرشاد الناس ونصحهم لاتباع الواجبات الدينية المقررة في الشريعة الإسلامية، وحمل الناس على أدائها والنهي عن المنكر بما يحول دون ارتكاب المحرمات والممنوعات أو اتباع العادات والتقاليد السيئة أو البدع المنكرة، وهذه الواجبات تتطلب العمل الميداني المستمر لمراقبة السلوكيات المنحرفة وضبط مرتكبيها والتحقيق معهم، وعلاوة على ذلك تقوم الهيئة بواجب حث الناس ونصحهم على التمسك بالشعائر الدينية، وهذه المهام الجسيمة المناطة بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقوم بها رجال يحتسبون في عملهم ويجتهدون، إلا أن هذا الاجتهاد في تطبيق واجبات ومهام الهيئة ينتج عنه-أحيانا- أخطاء تؤثر سلبيا على أدائهم لمهامهم مما يؤدي إلى ردود فعل من قبل الناس تتمثل في نقد الهيئة ورسم صورة غير جيدة في أذهان الناس عنها، لأنه بسبب هذه الأخطاء يكون هناك تعارض بين ما تنادي به الهيئة من أهداف سامية ونبيلة وبين ما يقع أمام الناس من أخطاء من قبل بعض العاملين فيها. ويضيف الشعلان: هذه الردود تؤثر سلبا على أداء الهيئة لمهامها، فعدم تقبل الناس لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجعل تطبيق بعض مهامها من نصح وإرشاد للناس صعب المنال، ما يجعلها تلجأ إلى القوة في تطبيق بعض مهامها، وهذا يؤدي إلى تعزيز الصورة غير الجيدة في أذهان الناس عنها، لذا هناك حاجة ماسة للهيئة كجهاز لأن تؤسس لعلاقة تواصل جيدة بينها وبين الناس تستطيع من خلاله تحقيق أهدافها ورسالتها، ولابد لهذه العلاقة أن تؤسس على مبدأ الحوار الذي يعنى بفن التفاعل المعرفي والعاطفي والسلوكي مع الآخرين، فعند تقديم النصيحة والتوجيه السلوكي لمن أخطأ من الناس، لابد أن تؤطر بأساسيات الحوار الناجح والذي يقوم على احترام الطرف الآخر وعدم التقليل منه أو احتقاره، والابتعاد عن الانفعال والتوتر والحكم المسبق، والتخاطب بلغة مفهومة تتناسب والمستوى الفكري والاجتماعي للطرف المستقبل للنصيحة وإذا فهم رجال الهيئة طبيعة المجتمع وثقافته وكذلك الخصائص النفسية والاجتماعية لمرحلة الشباب والمراهقة لكلا الجنسين، لكان ذلك مجديا ومهما جدا لتقديم التوجيه المناسب لضبط سلوك الناس، في حين أن الافتقار إلى ذلك الفهم، يوقع الهيئة في مشاكل واصطدام مع الناس مما يعيق تأدية واجباتها. ويختم الشعلان: إن من الآثار الإيجابية لتلك العلاقة القائمة على لغة الحوار والتواصل الإيجابي بين الهيئة والناس التعاون من قبل الناس في تحقيق رسالة الهيئة من خلال التبليغ عن المخالفات السلوكية التي تقع في المجتمع، وتقبل النصح والتوجيه، والتقليل من استخدام القوة من قبل الهيئة، وبناء صورة ذهنية إيجابية عن الهيئة وثمرة ذلك كله تحقيق الضبط الاجتماعي في المجتمع وانخفاض معدلات الانحراف. دور بشري يعترضه القصور تركي الغامدي (خطيب وإمام مسجد): بات من الواضح أن دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورجال الحسبة في توجيه المجتمع ونصحه والمحافظة على مبادئه وأخلاقه، دور واضح ومهم وحاضر لا ينكره إلاجاهل أو جاحد، وهذا الدور على عظمته ومكانته إلا أنه دور بشري يعترضه القصور. وفي كل الأحوال يظل هذا الجهاز وهؤلاء الرجال هم صمام أمان للمجتمع الذين أخذوا على عاتقهم حماية الأخلاق والأعراض والدين، ولعل من أهم شرائح المجتمع الشباب من الجنسين الذكور والإناث ورجال الحسبة وجهاز الهيئة قريب من هؤلاء جميعا سيما في المحاور الثلاثة التالية في تعامل رجال الهيئة مع الشباب: المحور الوقائي: وذلك من خلال التوعية وبث النصح والإرشاد والتوجيه لشباب الوطن قبل الوقوع في أي خطأ أو محظور ومن الجهود التي قامت بها الهيئة في هذا الصدد الحملات الإعلانية التوجيهية في الإعلام سواء المرئي أو المقروء أو المسموع أو عبر الصحافة أو عبر اللوحات الإرشادية في الأسواق وفي الطرقات وبثه بأسلوب على أعلى درجات المهنية، ومن الجهود في هذا الباب إقامة الملتقيات الدعوية والمناشط الخيرية التي ترعاها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مناطق المملكة كافة، والبرامج والأمسيات والالتقاء مع عدد كبير من المختصين والدعاة والموجهين في المخيمات الدعوية والملتقيات، كذلك استقبالهم في مقرات الهيئة في مجاميع من الشباب من الجامعات والمدارس لتوضيح دور الهيئة والمطلوب منها وما يمكن أن يقوم به الشاب في حماية أمن مجتمعه الأخلاقي. المحور الثاني: وهو حال وقوع الخطأ أو المحظور من الشاب أو الفتاة، وحسب علمي فإن الهيئة تقوم بدور يرتكز أولا على الستر والمحافظة على سمعة هؤلاء الأبناء وعلى سمعة أسرهم وعلى معالجة الخطأ مع الستر وأيضا الشفافية مع نفس الشباب في النصح والتوجيه والإرشاد لهم لتلافي عدم وقوع هذا الخطأ مرة أخرى، وأيضا التعامل معهم في الأسواق والأماكن العامة بأسلوب أخوي وأبوي يقوم على الرحمة والمحبة والحرص على الخير لهذا الشاب وليس تصيد أخطائه. المحور الثالث: هو جانب المتابعة اللاحقة فهؤلاء الشباب أو البنات الذين نفترض أنهم وقعوا في أخطاء مع الهيئة ثم تم التعامل معهم بأسلوب راق وأخوي ومحب، يتبع ذلك أيضا توجيههم لاحقا والوقوف معهم متى ما أرادوا والعناية بهم وأن يتحول هؤلاء الشباب والفتيات من أشخاص وقعوا في الخطأ إلى أشخاص يساهمون في توعية المجتمع وفي توعية أقرانهم وحثهم على الخير، ولا نريد أن يخرج الشباب من مقرات الهيئة وهم يحملون حقدا أو ضغينة على هذا الجهاز وبالتالي يحصل ما يحصل من تشويه لسمعة هذا الجهاز ورجاله وتضخيم بعض القصص أو حتى ربما اختلاق بعض المواقف نتيجة لردات الفعل.، وعلى رجال الحسبة محاولة احتواء الشباب.