عندما تتحدث عن معاناتك هذا لا يعني أنك تعيش طوال الوقت في عناء، أو أنك لم تذق الحلو في حياتك، أو أن تلك المعاناة لا يتخللها فرح ومرح ولحظات سعيدة وجميلة تحتفظ بها في ذاكرتك وهي من جعلتك تعاني من سوء الحال أو تطمح أن تكون في أحسن حال، بمعنى أننا تألم أننا كنا بالأمس وأصبحنا اليوم، أو أننا حلمنا وتمنينا أن نكون وفشلنا أو تأخرنا أو واجهتنا معوقات حالت بيننا وبين تحقيق الهدف ومن هنا تنشأ المعاناة ليست معاناتك وحدك، بل معاناة كل العالم فكل الناس تعاني وإن كانت في أحسن حال تطمع في أكثر منه، كذلك عندما تنتقد شأنا لا يسرك أو تطالب بمزيد من الخدمات ومن التقدم والتطور، هذا لا يعني أنك متأخر أو أنك أتعس الناس شأنا أو أسوأهم حظا أو أفقر هم أ وأحقرهم، بل أنك تطالب بالمزيد من السعادة والرخاء وهكذا هو الإنسان دائما في كبد ولا يملئ عينه إلا التراب، ففي كل بلاد العالم سلبيات، لا تسلط عليها عين المجهر، إلا نحن يؤخذ نقدنا لشأننا الخاص حالنا حال بلاد الدنيا بالهجوم على الإسلام الذي لو تمسكنا به جميعا لما انتقدنا شأنا ولما عانينا ظلما وفسادا ونقصا وحاجة، فنحن نعيش في خير ونعمة وحتى سلبياتنا ما هي إلا نعم وليست نقم، لأن المؤمن مبتلى، وحالنا كحال غيرنا وإن كنا في أحسن حال ولكننا نطمع للمزيد من التطور والتقدم، وهكذا هو الإنسان طماع، وجميل أن يقودك الطمع إلى الأفضل، بل هو من الوفاء لمن تحب والإخلاص له، سواء كان ذلك الحبيب شخص أو وطن أو من يكون، حيث تتمنى أن يكون على أحسن ما يكون، إذا أنت محب ومخلص ولست العكس كما قد يفهمك هو ويفهمك البعض ممن لا يفقهون، فمن حكمة الله وسنته في الأرض ابتلاء الصالحين بالفاسدين والعكس، وإن لم يحدث ذلك فلا تنافس إلى العمل الصالح وإلى جنة عرضها السماوات والأرض، فقد تجرك أقدارك إلى مواطن الفاسدين وترى مالا يراه غيرك ممن لا يبالون بسوء ذلك وخطره على مجتمعنا ولا يكترثون له لتكون حجة على هؤلاء الفسدة والمفسدين بينما تظن أنك أتعس الناس، حيث لا ترميك الأقدار إلا في طريق ما تكره ومن تكره، بل لا تطيق ولن تطيق، وبمجاهدتك لأولئك تكون أسعد الناس بينما ظننت نفسك كما ظنك الآخرين أنك أتعس الناس وأسوأهم حظا، إذا لا تألم ففي جميع الأحوال أنت الأسعد أيها المخلص ونحن السعداء وإن ابتلينا في سائر شأننا وبلادنا أسعد بلاد العالم، بدليل طمع المفسدين بك وبنا وبها، وهكذا يبتلى الصالحين، والآخرة عند ربك للمتقين.