استنفرت جميع الطاقات البشرية في الأجهزة الإعلامية، فقد كان يوما من أيام الإرهاب الجوي عندما اختطف كارلوس الشيخ أحمد زكي يماني وزير البترول، والثروة المعدنية (سابقا) حينما كان عضوا في وفد المملكة إلى مؤتمر القمة العربي الطارئ الذي عقد بالرباط عام 1992م برئاسة الملك فيصل بن عبدالعزيز (يرحمه الله). وكنت آنذاك محررا بوكالة الأنباء السعودية ضمن فريق عمل بإشراف المذيع القدير محمد الشعلان -يرحمه الله- وكان مدير عام الوكالة الأستاذ خالد غوث. وبناء على مبدأ التنسيق بين الوكالة والتليفزيون، كلفني المدير العام المساعد الأستاذ عبدالله هليل بتسليم النصوص أولا بأول لمدير عام التلفزيون آنذاك الدكتور عبدالرحمن الشبيلي الذي أتحفني قبل حوالي عام بكتابه القيم (سوانح وأقلام في السياسة والثقافة والإعلام)، وكانت حادثة الاختطاف بداية تعارف بيننا لطموح حققه لي بعد انتقالي للعمل مراقبا للتبادل الإخباري بالتليفزيون، فابتعاثي إلى إنجلترا مع زملائي للتدريب على الإدارة والإنتاج والبرامج، وعدت بعدها مديرا لأخبار التليفزيون. وعلى مدى سبع حلقات في القناة الثقافية التليفزيونية عاش المشاهد مع الدكتور الشبيلي قبيل عدة أيام من كتابة هذا المقال حديثا ضافيا عن نشأة التليفزيون، لم أشاهد منها سوى حلقتين أفدت منهما كثيرا وتذكرت بعضا من المعاناة التي كنا نعاني منها في نقل الأخبار بين الرياض والمدينة المنورةوجدة والدمام والقصيم، وكيف كانت الأخبار المحلية الفلمية تعرض في اليوم التالي في بقية المحطات قبل الربط بالكيبل المحوري، إلى أن حل محل ذلك نظام (سيكام) ثم (بال) أو العكس، فليعذرني القارئ فلست من المختصين بالشأن الهندسي. وسوف أحصر مقالي عن كتاب (سوانح وأقلام في السياسة والثقافة والإعلام) عن الفصل الخاص بالاستفزازات الإعلامية، نظرا لضيق مجال الزاوية، ففي ذلك الكفاية ومقال أستاذنا الشبيلي على الرغم من قصره -صفحتان ونصف الصفحة فقط- إلا أنه يستفز الباحث المتأمل ذا الخبرة في الإعلام السعودي -بصفة خاصة- والذي عايش مواكبة هذا الإعلام لخطط التنمية الخمسية منذ بدايتها حتى هذا اليوم، الذي وصلت فيه المملكة إلى مكان مرموق بين دول العالم النامي. وهذا ما يفسر خط الصمت والترفع والشفافية والانفتاح الذي نهجته المملكة في سياستها الإعلامية، ويعتبر ذلك أبلغ رد على كل التخرصات والاستفزازات المباشرة وغير المباشرة. وإن من أروع ما تميز به الإعلام السعودي تمسكه بالمبدأ الديني على اعتبار تشرف المملكة العربية السعودية بخدمة الحرمين الشريفين، لذا نجده -أيضا- يترفع عن الرد على المشركين والملحدين، أخذا بقوله تعالى (ولا تسبّوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم... الآية) الأنعام/189. وتأتي ظاهرة السماع من أبرز الظواهر الإعلامية التي تصدى لها الإعلام السعودي بالصبر، أخذا بقوله تعالى: (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور).. آل عمران/ 189. والأمثلة عديدة، لا داعي لذكرها فالصفح أولى بذلك.. لكن الأهم هو توثيق خطى الإعلام السعودية القائم على الحقائق والأرقام والذي يتحدث عن الإنجاز، وكيف تحقق وكيف صانت التنمية اليد التي شيدت والموازنة التي أنفقت على مدى أربعة عقود وأكثر من الزمن. وما توفيقي الا بالله..