خسر المشهد الثقافي العالمي واحدا من عمالقته الكبار عقب إصابة الكاتب الكولومبي الشهير «غابريل غارسيا ماركيز» (85 عاما) بمرض خرف الشيخوخة، والحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 1982م والمصنف كأفضل من كتب باللغة الإسبانية بحسب شهادة الكاتب المكسيكي الراحل كارلوس فوينتس، حيث وصفه بأنه «الأكثر شعبية وربما كان أفضل كاتب باللغة الإسبانية منذ سرفانتس». عن علاقة ماركيز بالدراما وعالم السينما بالذات يقول المخرج عبدالخالق الغانم: «يعد ماركيز أحد مؤسسي مهرجان هافانا السينمائي، ومؤسسة السينما الجديدة في أمريكا اللاتينية، ومقر كل منهما العاصمة الكوبية، والتي زارها العام الماضي لإقامة ورشة كتابة (كيف يتم حكاية قصة)، الذي اعتاد المشاركة فيه سنويا، بالإضافة إلى عرض ستة من الأفلام السينمائية المأخوذة عن أعماله الروائية في المهرجان، وجرى تكريمه خلال المهرجان المنعقد في ديسمبر الماضي، كما تم اقتباس رواية غارسيا (قصة موت معلن) وتحويلها إلى عمل مسرحي (في حلبة مصارعة الثيران) والتي أخرجها الكولومبي الشهير خورخي تريانا». وأضاف الغانم معلقا على حالة ماركيز: «الخرف مؤذ لكل إنسان فما بالنا بإنسان مفكر وروائي وقامة أدبية عالمية خدمت الثقافة العالمية مثل ماركيز، وحالته الراهنة بالفعل تعد خسارة للثقافة والدراما بكل صورها، لكن هذه سنة الحياة، وندعو له بالشفاء». من جانبه، علق الروائي محمد المزيني عن حالة إصابة ماركيز بالخرف بقوله: «ليس بؤسا أن يصاب كاتب عظيم قدم للثقافة والأدب أعمالا عظيمة كماركيز بالخرف، الذي يعد نهاية أكيدة لإبداعه، ونحن نعلم أن ماركيز استودع ذاكرته وعصارة عمر أفناه ما بين الورق والقلم في عقول الناس، سيحملونها نيابة عنه ويتذاكرونها بين الفينة والأخرى فمن قرأ لماركيز (مائة عام من العزلة) وقف مدهوشا للتفاصيل الأسطورية الدقيقة والأسماء المتشابهة الكثيرة التي نسجها بقدرة سردية فذة وبحبكة مترابطة ومحكمة بما لا يجعلك تشعر بالخلل بقدر ما تشعرك بالملل في بداياتها وعند النهاية تصفق طويلا لروعة العمل، وكذلك (الحب في زمن الكوليرا) و(خريف البطريرك) و(قصة حب معلن) تلك التي استخدم فيها شخصية عربية أو تحديدا لبنانية تدعى نصار بطريقة تشخيصية للنفعية وكيفية الخلاص منها بالقتل والإعداد له جهرا بين الناس الذين كان صمتهم المعلن أيضا دافعا للقتل، إلى آخر ما كتبه من الروايات عام 2004م وهي (ذاكرة غانياتي الحزينات) والتي نلتمس منها تناقص ذاك الفيض السردي المميز له، إذ جاءت الرواية بصفحات لا تتجاوز المائة من القطع المتوسطة، ومع ذلك نكهة ماركيز التي تسكن الرواية جعلها أثيرة لدى قرائه في كل أنحاء العالم، ليطبع منها ملايين النسخ على طبعات متفرقة، عقبها توارى الكاتب العالمي ماركيز حتى يوم إعلان إصابته بالخرف، وعلى الرغم من خسارة العالم لذاكرة ماركيز عقب ذاكرة غانياته الحزينات فلن نبتئس، فالبؤس كل البؤس أن تصاب ذاكرة خاوية بالخرف دون أن تقدم للبشرية شيئا يعتد به، أو أن تترك أعمالا تحريضية تزرع الكراهية بين الناس، لن نحزن على ذاكرة ماركيز التي لحق بها العطب مؤخرا، لأنها مدخرة ستتناقلها الأجيال على مر العصور والأزمان». وماركيز ليس أول المشاهير الذين يصابون بالخرف، فلائحة الخرف تتميز بتزاحم الأدباء والسياسيين والقادة وأبرزهم: أبو حامد الغزالي (اكتئاب)، الشاعر أبو العلاء المعري (رهاب اجتماعي)، الرسام التشكيلي مايكل آنجلو (اضطراب الوجدان ثنائي القطب)، الأديب أبو حيان التوحيدي (اكتئاب حاد)، أوليفر كرومويل (نوبات ذهانية وهوس ديني)، الرسام العالمي فان جو (الاضطراب ثنائي القطبين)، الرئيس الأمريكي السابق إبراهام لينكون (اكتئاب)، ملكة إنجلترا السابقة أليزابيث الأولى (اكتئاب)، رئيس وزراء إنجلترا في الحرب العالمية الثانية ونستون تشرشل (اكتئاب)، الروائية جيه كي رولينج صاحبة سلسلة روايات هاري بوتر (اكتئاب حاد)، الفنان الكوميدي العالمي جيم كاري (اكتئاب)، الرسام العالمي بيكاسو (فصام)، العالم الفيزيائي العبقري ألبرت آينشتاين (التوحد)، إسحاق نيوتن مكتشف الجاذبية الأرضية (التوحد)، مارجريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا السابقة (الخرف)، العالم الفيزيائي الشهير نيلز بور صاحب نظرية بناء الذرة (الخرف)، العالم نابليون (الصرع) يوليوس قيصر (الصرع).